(ج) ومن هذه الأمثلة ما قرره الله تعالى من أن النفس غير المؤمنة لا تنضبط ، ولا تستقر على حال ، والنعمة تبطرها وتطغيها. والنقمة تؤيسها وتشقيها ، ولا ضبط ولا انضباط ، ولا علاج لذلك إلا بالصبر ، اقرأ قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (١١) [هود : ٩ ـ ١١].
وإن هذه الآية الكريمة تشير إلى أن ذلك الفرح الطاغى فى حالة ، واليأس المميت فى وقته مرض إنسانى ، وأن علاجه الصبر ، لأن الصبر ضبط النفس ، فلا تنزعج للألم ، ولا تطغى بالنعم.
(د) ولقد بين الله تعالى أن سلوك غير الحق هو اتباع للظن غير الناشئ عن دليل ، بل عن الهوى ، وقد قال تعالى فى ذلك : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٢٨) [النجم : ٢٧ ، ٢٨].
فهذا النص الكريم يبين مرض النفس التى تضل ، ويذهب بها الضلال إلى متاهات من الباطل ، وذلك المرض هو الوهم ، فهم يتوهمون ثم يهوون ثم يظنون ، وليس عندهم دليل يكون علما ، بل عندهم أوهام وظنون ، وإن دارس علم النفس التربوى يجد فيه بابا من أبواب التربية العقلية بأن يباعد بين الناشئة والأوهام.
(ه) ومن الأمثلة لبيان أحوال النفوس ، بيان أحوال النفوس التى لا تفكر إلا فى دائرة نفعها أو ضرها ، ومن شأن هذه النفوس أن تكون أثرة متقلبة ، لا تذعن للحق ولكن تذعن لنفعها وضررها.
اقرأ قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢). [يونس : ١٢]
وهذا تصوير للنفس التى فقدت الإيمان ، وحرمت الخير ، ولا تفكر إلا فى محيطها ، وهى بلا ريب غير الذين قال الله تعالى فيهم : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) [الحشر : ٩].
(و) ولنكرر مثلا ذكرناه فيما تلونا من قبل ، ونذكره هنا من ناحية البيان النفسى ، وهو مثل ولدى آدم ، فالله تعالى يقول : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧)