لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (٢٨) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (٢٩) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٣٠) فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (٣١) مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً). [المائدة : ٢٧ ـ ٣٢]
هذه الآيات البينات فيها كشف عن النفس المؤمنة المطمئنة الراضية وكشف عن النفس الحاسدة الحاقدة :
(أ) وهى تدل على أمور نفسية تصور مصدر الشر والخير ، فالنفس المؤمنة تعرف الأمور على وجهها وتدرك الحق وما أوجبه ، فهى ترد سبب قبول القربان إلى التقوى والخوف من الله.
(ب) والنفس التقية هى التى تمتلئ بذكر الله وتستشعر خوفه دائما ، وأن الاعتداء إنما يكون حيث يختفى الخوف ويظهر الطغيان ، ولذلك علل عدم رد الاعتداء الذى بادره به أخوه بأنه يخاف الله رب العالمين ، وأن القتل إنما هو جريمة فى حق من خلقهم الله تعالى ، وهو ربهم.
(ج) وتشير الآية إلى أن النفس منطوية على الخير ، وأن الشر عارض لها ، ولذا رد المؤمن التقى قول أخيه وتهديده بالقتل بقوله : (ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ) ، وفى هذا إشارة إلى أن النفس التى لم تدنس بشر ليس من شأنها أن تبسط يدها بالقتل.
(د) والآيات تدل على أن الحسد هو أساس الاعتداء فلو انخلع من القلوب ما كان شر ولا اعتداء فى الأرض.
(ه) وتدل الآيات أيضا على أن الاعتداء بالأذى ليس هو الأصل بالنفس الإنسانية ، فهو عند ما اتجه إلى قتل أخيه عالج نفسه ليحملها على مطاردته فى قتله ، ولذا عبر الله سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله تعالت كلماته : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) لأنه خسر أخاه وخسر نفسه ، فأفسدها.
(و) وتدل ثالثا على أن رؤية المعتدى عليه ، والاعتداء قائم يبعث على الندم ، والآيات من بعد ذلك تبين أن أساس الكثير من الجرائم هو الحسد ، فلو اجتث من النفوس ما كان اعتداء ، ولكن الله تعالى يبلو به الناس ليعلم الخير والشر.
ولا شك أن الدارس للنفس الإنسانية يجد فى القرآن معينا لا ينضب ، ولو أن الناس عكفوا عليه لوجدوا فيه أعظم مصدر للدراسات النفسية والاجتماعية.