قبله وما بعده يفرض الرق على كل غريب ، حتى جاء الإسلام فألغى هذا وغيره ، وقد أخذوه بضاعة ، وباعوه بثمن بخس دراهم معدودة ، ولم يكونوا راغبين فى بقائه.
وقد توسم الذى اشتراه من مصر فيه الخير ، وقال لامرأته أكرمى مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ، وبذلك ربى فى كلاءة ربه كما صنع مع موسى ، إذ ألقاه إخوته فى الجب حسدا وإيذاء ، كما ألقت أم موسى ولدها وقد وضعته فى التابوت حرصا أو فرارا به من الموت.
وبهذه المحبة التى أضفاها الله على من اشتراه مكن الله ليوسف فى الأرض ، وألهمه الحكمة ، وعلمه تأويل الأحاديث والرؤى ، ولما بلغ أشده آتاه الله تعالى حكمة وقدرة على الحكم على الأشياء والأشخاص ، وصبرا وإدراكا.
آل أمره إلى أن يكون فى بيت حاكم مصر ، وأن يكون خازن أسراره ، ومتصلا بامرأته. على أن يكون خادما خاصا.
وهنا نجد القرآن فى تلك القصة الواقعة يصور لنا نفس المرأة المترفة الفاكهة فى العيش والنعيم.
رأت على القرب منها فتى جميلا ذا فتوة وقوة ، فراودته عن نفسه ، وغلقت الباب ونادت طبيعته البشرية. قالت له أقبل ، ولكنه فى خلق النبوة يقول لها (قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) ، فالخلق يمنعه والوفاء يصده.
ولكنها أخذت فى الإغراء ، وأرادت أن توقظ فيه الغريزة ، ولعلها أيقظتها ولكن غلبه نور الهداية على الغريزة الدافعة ، إذ رأى نور الحق ، وهو نور ربه.
وفى هذه الصورة الواقعة صورة الحياة المترفة كيف تفسد النفوس؟ وكيف يغرى بالرذيلة وجود الخدم الأقوياء فى خدمة ذوات الخدر ، وكيف تكون الإرادة الصابرة كابحة للغريزة الجامحة وحائلة بينها وبين الشر.
تلك حال جديرة بالدرس على ضوء القرآن.
وتجىء من بعد تلك المعركة بين الهوى الجامح ، والحكمة والإرادة القوية ، وهو يذهب إلى الباب فارا من الرذيلة ، وهى تذهب وراءه تجره إليها ، وتكون المفاجأة لها. وسرعان ما تكشف عن خلق المرأة وهو مسارعتها إلى اتهام البرىء إذا لم تحقق رغبتها ، بل شهوتها ، فتستعدى عليه زوجها وتثير فيه الحمية ، لقد وجدا سيدها لدى الباب الذى يتسابقان إليه ، هو ليفر وهى لتشده إليها.
(قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) شكت ظلما. وحكمت ظلما ، ولكنه حكم ليس فيه الموت ، لأنها ترجوه لها بعد ذلك.