ولكن يوسف يدفع التهمة الكاذبة بالقول الصادق : (قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي).
صارت القضية موضع نظر ، وقد وجد الشاهد الحسى الذى يشهد له. فقد قدّ قميصه ، وقت الاستباق إلى الباب.
فاستشهدا بذلك الشاهد ، فقال الحكم الذى حكم : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ) ، لأنه يقد وهو مقبل عليها ، وهى تدفع عن نفسها : (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ، فرأوا القميص قدّ من دبر ، فهو كان يفر وهى تجذبه بشد قميصه (فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) (٢٨).
عرفت البراءة ، وأن يوسف كان فريسة كيد النساء ، وتلك حال يوجه القرآن الكريم إليها لدراستها.
وهنا نجد السيد يبدو متسامحا ، ولعله وجد معذرة لها فى جمال يوسف وكماله ، فاكتفى بأن قال : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) (٢٩).
ونجد فى هذا الموقف توجيها للدراسات النفسية فى المرأة وفى الرجل العفيف ، وفيما ينبغى ملاحظته فى داخل البيوت وأكنانها.
إذا خرج الخبر عن اثنين شاع ، ولو تواصوا بالأسرار ، فإن الخبر قد شاع فى المدينة وتناولته جماعات النساء ، وإنهن ليهمهن أمر الحب والمحبين (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٣٠).
شاعت الأقوال فى المدينة ، وتناولته الجماعات ، وعلمت امرأة العزيز بما يقلن ، وما يدبرن وينشرن من أقوال ، وهى تعلم قلوبهن ، وما يستهويهن.
أعدت لهن متكأ ولعلها كانت وليمة إذ أعطت كل واحدة منهن سكينا وقالت أخرج عليهن : (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) ، وأعلنت هواها ورغبتها الشديدة ، وإصرارها ، وقد رأتهن يعذرنها ، وقالت : (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) وهنا نجد النفس المؤمنة تقاوم طغيان المرأة وتحكمها فيقول :