٢٤٧ ـ ولننتقل من بعد إلى الكلام فى المصادر الثلاثة الأخرى.
فأولها ـ وهو أعظمها السنة لأنها الشارح الأول للكتاب الكريم ، وإن أحكام الحلال والحرام لا تفصيل لها إلا فى السنة ، وهى المصدر الوحيد لها ، ومن خالف تفسير السنة للحلال والحرام فى القرآن ، فهو من المفترين على القرآن الكريم. ويكون داخلا فى نهى قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) [النحل : ١١٦] ؛ وذلك لأن هذا القسم من القرآن الكريم تكفلت به السنة النبوية ، لأن هذا من تبليغ الرسالة المحمدية وهو معناها. ومن يعارضها إنما يعارض تبليغ الرسالة النبوية ، ويفترى على الله الكذب ، فكل ما فى القرآن من أحكام فقهية سواء أكانت تتعلق بالعبادات أم كانت تتعلق بتنظيم المجتمع الإنسانى الذى يبتدئ بالأسرة ويتدرج إلى الجماعات ثم الأمة وعلاقة الحاكم بالمحكوم وعلاقة المسلمين بغيرهم من الأمم فى السلم والحرب ـ كل هذا بيان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، وهو حجة علينا يجب اتباعه.
والصحاح التى بين أيدينا فيها بيان الأحكام الشرعية بيانا كاملا كما وردت فى السنة.
هذا ، ويجب التنبيه إلى أن الاتجاه إلى تفسير القرآن من غير اعتماد على السنة والاستعانة بها فى هذا الباب خروج على الشريعة ، فقد قال الله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب : ٣٦] ، والذين يتركون السنة زاعمين أنهم يأخذون بالقرآن يهجرون القرآن والسنة معا ، ويحاربون تبليغ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لرسالة ربه.
ويلاحظ أن السنة قسمان : سنة متواترة : رواها جمع عن جمع حتى تصل الرواية إلى النبى صلىاللهعليهوسلم ، وهذا النوع من السنة يجب الأخذ به فى بيان الأحكام ، وبيان معانى العقائد التى اشتمل عليها القرآن الكريم لأنها ثابتة عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بسند قطعى لا شبهة فيه ، والعقائد لا تثبت إلا بدليل قطعى الدلالة وقطعى السند ، ولذلك يقول الشافعى لمن يخالف الأحاديث المتواترة ، ويسميها أحاديث العامة ، يقال له «تب».
والقسم الثانى : أحاديث الخاصة كما يسميها الشافعى رضى الله تعالى عنه وهى التى لم يبلغ سندها حد التواتر ، ويسميها علماء السنة أحاديث الآحاد ، ولو رواها اثنان أو ثلاثة ما دام رواتها لم يبلغوا حد التواتر الذين يؤمن تواطؤهم على الكذب.
وهذا النوع من الأحاديث يعمل به فى تفسير الآيات التى تتعلق بالأحكام لأنها تفيد غلبة الظن بالنسبة للصدق ، وقد ثبت ذلك عن الصحابة رضى الله عنهم ، ولأن