وقالت طائفة أخرى ، وعلى رأسهم عبد الله بن مسعود أنها تعتد بوضع الحمل ، آخذا بعموم اللفظ (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) لأنه يشمل المتوفى عنها زوجها الحامل ، كما يشمل المطلقة.
واجتماع فقهاء الصحابة على رأى فقهى يكون حجة ، وكذلك إذا لم يرد عنهم فى تفسير الآية التى تتعلق بالحلال والحرام إلا رأى واحد ، وإذا اختلفوا جاز للفقهاء المحبذين أن يختاروا من آرائهم ، ولا يخرجون عنها.
٢٤٩ ـ وإن الموضوعات التى أثرت عن الصحابة آراء فيها مختلفة من حيث قوة الأخذ برأى الصحابى فيها.
وأولها ما يتعلق بالحلال والحرام ، وقد علمت القول فيه ، إذا كان مبناه الرأى ، والقبول المطلق إذا لم يكن للرأى فيه مجال.
ومهما يكن الأمر بالنسبة لآيات الأحكام ، فإن أقوال الصحابة وأعمالهم تتبع فى فهم الآيات الخاصة بالحروب والصلح ، والمعاهدات والأمان ، وأحكام الذميين والمستأمنين ، وجمع الغنائم وتوزيعها ، وفرض الخراج والجزية.
وكان عهد الفاروق عمر رضى الله عنه عهدا خصبا لبيان الأحكام الشرعية فقررت فيه المبادئ الإسلامية المستفادة من القرآن ، وتعد معينا لفقهاء استقوا منه آراءهم فى نظم العلاقة الدولية بين المسلمين وغيرهم فى السلم والحرب ، وقد استقاها هو من فهمه لكتاب الله تعالى ، وإدراكه لمراميه.
ولذلك نجد كتب السير أخذت من ذلك المعين ، فكتاب الخراج للإمام أبى يوسف ، الأصل الذى اعتمد عليه هو عمل عمر رضى الله عنه الذى نفذ ويفهمه من القرآن الكريم.
وكذلك الإمام محمد بن الحسن الشيبانى فى كتابه «السير الكبير» قد أخذ أكثره من عمل الصحابة ، وخصوصا عمل عمر الذى استنبطه من القرآن الكريم. ويعد كتاب «السير الكبير» أول كتاب ألف فى القانون الدولى الذى يقوم على قواعد العدل والرحمة ، والكرامة الإنسانية ، كذلك كتاب السير للأوزاعى ، وغيره من الكتب كان اعتمادها على ما عمل به الصحابة آخذين ذلك من فهمهم لمرامى القرآن الكريم.
ومن الموضوعات التى أثر عن الصحابة أقوال فيها فى تفسير وفهم معانيه آيات القصص فى القرآن الكريم ، وليس المروى عنهم فى ذلك كثيرا ، والصحيح النسبة إليهم رضى الله عنهم قدر ضئيل.
وذلك لأنهم ما كانوا يعنون إلا بما له أثر عملى يتعلق بالحلال والحرام ، وما له أثر فى أعمالهم ، وتنظيم جماعتهم وإقامة الحق والعدل فى الأرض.