(ب) أنهم الذين شاهدوا أسباب النزول ، وعلموا فى أى موضع نزلت آى الكتاب الكريم ، وأسباب نزولها ، ولا شك أن أسباب النزول طريق معبد لفهم الكثير من الآيات الكريمات ، لأن أول ما ينطبق عليه المعنى للآية القرآنية هو ما كان سببا لنزولها ، ثم يعمم الحكم بعموم اللفظ ، جريا على قول الفقهاء فى محكم قواعدهم (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب).
(ج) وإن الصحابة أعلم الناس بمعانى الألفاظ القرآنية من العرب ، ومن أعلم الناس بلغة العرب ، وما يكون غريبا بالنسبة لنا ، لا يكون غريبا بالنسبة لهم ، والألفاظ معروفة معانيها لهم.
وإن المتتبع للمأثور عن الصحابة فى تفسير القرآن الكريم يرى الرائى بادى النظر أنه قسمان :
أحدهما : ما اعتمد فيه على المأثور عن النبى صلىاللهعليهوسلم ، وهذا يكون سنة نبوية وتفسيرا للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، ولا مجال للريب فى نسبته إذا كان السند إلى الصحابى صحيحا ، وذلك فى تفسير الآيات التى ليس للرأى فيه مجال ، فتفسيرهم يكون حديثا إذا نسبوه مرفوعا للنبى عليه الصلاة والسلام ، ويكون موقوفا إذا لم يسندوه للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، ولكن لا يمكن أن يكون للعقل فيها مجال ، ولا يمكن أن يقولوا فى موضع لا مجال للعقل فيه إلا بقول المبلغ صلى الله تعالى عليه وسلم ، آخذين بقوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (٣٦) [الإسراء : ٣٦].
والقسم الثانى : ما يكون للرأى فيه مجال ولا يسندونه للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، بل هو مجرد الرأى منهم وإنهم فى هذا قد يختلفون ، وذلك فى بعض الأحكام الفقهية التى لم يرد فيها نص من الكتاب ببيان الحكم ، ومن ذلك قولهم فى عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا ، فقد اختلف الصحابة فى تفسير آيات العدة ، ففريق منهم ، وعلى رأسهم على بن أبى طالب أعمل الآيتين الواردتين وهما قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) [البقرة : ٢٣٤] ، والآية الثانية هى قوله تعالى فى سورة الطلاق : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) [الطلاق : ٤]. فقال هذا الفريق من فقهاء الصحابة أنها تعتد بأبعد الأجلين أى تعتد بوضع الحمل إذا كان بعد مضى أربعة أشهر وعشر ، وتعتد بالأشهر إذا كان وضع الحمل قبل انتهاء المدة.