النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى ذلك كثير وليس قليلا ، لأنه بيان الشريعة ، وتبليغ رسالة الله ، إذ إن التكليفات لا بد أن يبينها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، ولا يتركنا إلا وقد بين ما يجب على المكلفين فعله ، وما يجب عليهم تركه ، إما بالنص عليه ، وإما بذكر ما يدل على أصل الشرع الذى يقاس عليه ، وتناط به الأحكام ، وتقام عليه مصالح الأنام ، وأحاديث الأحكام أكثرها فى تفسير الآيات المتعلقة بالأحكام ، وأكثر الأحاديث المروية فى هذا المقام ثابتة بسند صحيح تبنى عليه الأحكام بالتحليل والتحريم.
٢٥٤ ـ والغزالى وغيره من العلماء الذين سوغوا تفسير القرآن بالرأى ، بل إن عبارتهم تومئ بوجوبه فى غير موضع الأثر المروى عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بسند صحيح ، هؤلاء قد منعوا التفسير بالرأى فى موضعين يكون الرأى فيهما مذموما :
أول هذين الموضعين أن يفسر القرآن بهواه ، أو أن يحاول حمل الآيات على مذهبه أو رأيه بأن يكون له فى موضوع الآية رأى معين ، وله ميل له بطبعه ، فيتأول القرآن على وفق رأيه ليحتج به ، ولو لم يكن له ذلك المذهب ما كان يظهر له ذلك التفسير ، وإنه ليتجه ذلك الاتجاه ، ويؤول ظاهر الآية لتساير مذهبه ، وينزلها عن علياء بيانها إلى حيث رأيه.
وأحيانا يفعل ذلك غير قاصد حمل الآية على مقتضى رأيه ، ولكن امتلاء عقله وقلبه بهذا الرأى يجعله يتجه إليه غير قاصد مجرد ترجيح مخيلته ، ويلبس عليه الأمر فيظن ما قاله ظاهرا ، وما هو بظاهر.
فهذا بلا ريب تفسير بالرأى مذموم ، ويكون من المنهى عنه ، لأن القرآن الكريم فوق الآراء والمذاهب وليس خاضعا لها.
وإنه من نوع تفسير القرآن بالهوى لا بالرأى المبنى على النظر الخالص لوجه الحقيقة.
الموضع الثانى ـ الذى يكون فيه التفسير بالرأى مذموما ـ يكون فى المسارعة إلى تفسير القرآن بظواهر الآيات ، والاقتصار على هذه الظواهر من غير تعرف للمنقول فى موضوعها ، ومن غير مقابلة الآيات بعضها ببعض ، ومن غير تعرف للعرف الإسلامى الذى خصص بعض الألفاظ العربية ، ومن غير علم دقيق بأساليب الاستنباط من القرآن من حمل المطلق على المقيد ، والعام على الخاص ، ومن غير إدراك مواضع الإضمار والحذف والتقديم والتأخير. وغير ذلك من الأساليب البيانية القرآنية المعجزة.