مسعود : «من أراد علم الأولين والآخرين ، فليتدبر القرآن» وإن ذلك لا يكون بغير التعمق فى الفهم ، من غير تكلف ، وتعرف الغايات بالإشارة والمرامى.
وثانيا ـ أن القرآن الكريم فيه بيان صفاته تعالى وأفعاله ، وذكر ذاته القدسية ، وأسمائه الحسنى ، وإن فهم ذلك مع التنزيه عن المشابهة للحوادث يحتاج إلى تدبر وفهم من غير الوقوف عند الظواهر ، وجمع بين المؤتلف ونفى للقول المختلف.
ثالثا ـ أنه قد وردت الآثار تدعو إلى الفهم والتدبر فى معانى القرآن ، فقد قال كرم الله وجهه : «من فهم القرآن فسر به جمل العلم ، وذلك لا يكون إلا بالتعمق فى الفهم».
ورابعا ـ أن عبارات القرآن الكريم تدعو إلى التعمق فى الفهم ، فقد قال تعالى :
(وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [البقرة : ٢٦٩] ويقول مفسرو السلف : إن الحكمة هى فهم القرآن ، وإذا كان الله تعالى قد وصف فهم القرآن بأنه خير كثير ، فإنه سبحانه وتعالى يدعو القادر على إدراك هذه الحكمة لينال من علمها خيرا كثيرا.
وخامسا ـ أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، دعا لابن عباس رضى الله تعالى عنهما بالفقه فى القرآن ، فقال عليه الصلاة والسلام : «اللهم فقهه فى الدين ، وعلمه التأويل» وليس التأويل إلا التفسير العميق الذى يتعرف به القارئ ما وراء العبادات من معان دقيقة عميقة ، ولو كان كل علم التفسير مأثورا عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لقال عليه الصلاة والسلام : «اللهم علمه التأويل».
وإن الغزالى لا يكتفى بسوق ما تؤدى إليه الأدلة من جواز التفسير بالرأى ، بل يتجاوز فيقول : إن المأثور من التفسير بالسنة قليل لا يشمل القرآن كله ، ويذكر أن ما يؤثر عن الصحابة فى التفسير ، إنما هو رأيهم ، وعلينا أن نتبعهم بإحسان ، فنجتهد فى تفسير القرآن مثل اجتهادهم من غير معارضة ، ولا مناقضة.
ثم إن الصحابة فيما بينهم قد اختلفوا ، وكذلك التابعون من بعدهم واختلافهم دليل على أن بعض هذه الأقوال بالرأى لا محالة ، ويجوز أن يكون بعضها بالسمع ، ولكنه غير معروف ، ولو كان واجبنا أن نختار من أقوالهم عند اختلافهم ، فالاختيار أساسه الترجيح بالرأى بقبول بعضها ورد بعضها ، وذلك فى ذاته أشد من الأخذ بالرأى ابتداء ما دام غير معارض للمأثور.
٢٥٣ ـ هذا ما ساقه الغزالى من أدلة فى جواز الفهم بالرأى الذى لا يعارض السنة ولا يتزيد عليها بما يخالفها. وإن أدلته مستقيمة منتجة لما يقول ، بيد أن قوله أن المأثور عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى التفسير محدود وقليل ، إنما هو فى غير الحلال والحرام ، أما ما يتعلق بتفسير القرآن فى الحلال والحرام ، فإن ما ورد عن