ورابعها ـ أقوال التابعين فى التفسير بتعرف ما قالوه نقلا عن الصحابة.
وتتعرف فى هذا ـ السنة بكل طرائقها ، وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، وهو المبلغ للرسالة والمفسر للقرآن لا يمكن أن يترك شيئا من القرآن قابلا للبيان ، ولم يبينه.
٢٥٢ ـ هذا منهاج المتوقفين الذين يرون أن تفسير القرآن بالرأى غير جائز ، وإنما يعتمد فى بيان القرآن على السمع وحده ، إما عن الرسول أو عن صحابته أو عن تلاميذهم ، وإن الخروج عن هذه الدائرة خلع للربقة ، وتهجم على القرآن الكريم بغير علم ، وإن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يترك القرآن من غير بيان.
وإن هذا الكلام ينطبق كل الانطباق على الذين لا يعرفون أن السنة بيان للقرآن ولا يأخذون به بل يتركونه. وإن مثلهم فى هذا كمثل الذين يعرفون الحكم الشرعى الثابت بالسنة ، ويتركونه نسيا منسيا.
وإنه فى آيات الأحكام يجب الاتجاه إلى السنة ابتداء ولا يتجه إلى غيرها إلا على ضوء منها وتعرف لمرامى الأحكام ، وغاياتها منها ، وإذا كان ثمة رأى فعلى ضوئها وبقبس من نورها.
وإن الذين أخذوا فى تفسير القرآن بالرأى فى مقابل الذين توقفوا سلكوا مسلك الفقهاء الذين أخذوا بالقياس. إن لم يجدوا فى الموضوع نصا ، فهم لا يتركون السنة ، ولكن يأخذون بالرأى إذا لم يجدوا سنة مفسرة ، وهم لا يقتصرون على الأخذ فى غير موضع السنة ، بل إنهم عند وجود السنة لا يناقضونها ، ولا يغايرونها ، بل يأخذون بها ويسيرون فيما وراء ما ثبت بالسنة إلى ما تدل عليه الألفاظ من إشارات بيانية ، ويحاولون أن يتعرفوا من وراء ذلك الأسرار البلاغية فى القرآن الكريم.
ولذلك كان هذا المسلك مسلك الذين حاولوا تعرف إعجاز القرآن ، وعلى رأسهم الإمام جار الله الزمخشرى ومن قبله كان الإمام الطبرى عند ما كان يبدى رأيه بعد أن يسرد من الروايات الصحيح والسقيم.
والإمام حجة الإسلام الغزالى كان ممن سلكوا ذلك المنهاج ، وأثبت بالأدلة العلمية أن التفسير بالرأى من غير مناقضة للسنة ، جائز ، ويستدل على ذلك :
أولا ـ بأن القرآن فيه كل علوم الدين ، بعضها بطريق الإشارة ، وبعضها بالإجمال ، وبعضها بالتفصيل الذى يفتح الباب للفكر المستقيم ، والاستبصار فى حقائقه ، وذلك لا يكفى فيه الوقوف عند ظواهر الآيات ، ولا ظواهر أقوال السلف ، بل لا بد من التعمق من غير تكلف ، واستخراج المعانى ما دامت لا تخالف المأثور ، وهناك أمور وراء المأثور ، يسير المفسر على ضوء المأثور ، ولقد قال عبد الله بن