سورة نوح
قال جار الله : (لَيْلاً وَنَهاراً) دائبا من غير فتور مستغرقا به الأوقات كلها ، قلت وفي كلامه نظر إذ لا يمكن استغراق الأوقات لوجود الضرورات الإنسانية من قضاء الحاجة والأكل والنوم ، وإنما ذلك على سبيل المبالغة ، كقولهم" إن فلانا لا يضع عصاه عن عاتقه".
(وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) : وضعوا ثيابهم على وجوههم كراهة النظر إليه ، وقيل لئلا يعرفهم ويعضده قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) [هود ـ ٥].
(وَأَصَرُّوا) : قال جار الله من أصرّ (١) الحمار على العانة صر أذنيه وأقبل عليها يكدمها ويطردها ، واستعير للإقبال على المعاصي والإكباب عليها ، ويقال : أصر على الشيء إذا داوم عليه ، ومن ذلك قولهم في اليمين : " هي مني صرى" أي : عزمة وجد ، وهي مشتقة من أصررت على الشيء.
(مِدْراراً) : كثير الدرور.
(لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) أي : توقيرا.
(أَطْواراً) أي : تارات ، نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ولحما ثم أنشأناه خلقا آخر.
(وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) فإن قيل : فالقمر في سماء الدنيا ، قلت بين السماوات ملابسة من حيث إنها طباق فجاز أن يقال : فيهن كذا ، وإن لم يكن في جميعها. كما يقال : في المدينة كذا وهو في بعض نواحيها.
(مَكْراً كُبَّاراً) : أكبر من الكبير ، والكبّار : أبلغ الكبار ، ونحوه : طوال وطوّال.
(وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) : أسماء أصنامهم ، وانتقلت من
__________________
(١) أصر الحمار على العانة ... الخ ، هو رأي الزمخشري ونقله عنه المؤلف ، ولعل الصحيح والله أعلم أن المراد بالصرّ : الشد والتعقد وهي مشتقة من قولهم : " أصررت على الشيء" إذا أقمت ودمت عليه. ومنه قوله تعالى : (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران ـ ١٣٥] ، وفي الآية عزموا على الكفر. والله أعلم.