المدلول وذكر طائفة من الذين ألفوا وصنفوا فيه (أي الغريب) ، وذكر من أحسنها كتاب : " المفردات" للراغب الأصفهاني ، وهو يتصيد المعاني من السياق ؛ لأن مدلولات الألفاظ خاصة ، ويحتاج الكاشف عن ذلك إلى معرفة علم اللغة ، اسما وفعلا وحرفا ؛ فالحروف لقلتها تكلم النحاة على معانيها ، فيؤخذ ذلك من كتبهم ، وأما الأسماء والأفعال فيؤخذ ذلك من كتب اللغة (١).
وقد ذكر صاحب اللسان في تعريفه للغريب ، كلاما موجزا وهو قريب الشبه جدا من كلام الخطابي حيث قال : " والغريب : الغامض من الكلام ، وكلمة غريبة وقد غربت وهو من ذلك" (٢).
وبعد هذه العجالة السريعة أعتقد أن تعريف الزركشي للغريب هو أشملها وأدقها ، وأني أميل إليه.
غريب القرآن وأهميته :
لا ريب أن معرفة الغريب في القرآن الكريم هي اللبنة الأولى في فهم كلام الله تعالى ، وهي من أول ما يستعين به المفسر في التفسير والتأويل ، ولقد نبه العلماء إلى وجوب معرفة وتعلم هذا الفن ووجوهه المختلفة.
يقول الزركشي : " ومعرفة هذا الفن للمفسر ضرورية ، وإلا فلا يحل له الإقدام على كتاب الله تعالى. قال يحيى بن نضلة المديني : سمعت مالك بن أنس يقول : لا أوتى برجل يفسر كتاب الله غير عالم بلغة العرب إلا جعلته نكالا. وقال مجاهد : لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالما بلغات العرب.
وينبغي العناية بتدبر الألفاظ كي لا يقع الخطأ كما وقع لجماعة من الكبار ، وهذا الباب عظيم الخطر ، ومن هنا تهيب كثير من السلف تفسير القرآن ، وتركوا القول فيه حذار أن يزلوا فيذهبوا عن المراد ، وإن كانوا علماء باللسان فقهاء في الدين.
واعلم أنه ليس لغير العالم بحقائق اللغة وموضوعاتها تفسير شيء من كلام الله ،
__________________
(١) البرهان في علوم القرآن ، للزركشي : ١ / ٢٩٢ ، ٢٩١ بتصرف.
(٢) لسان العرب ، لابن منظور : ٥ / ٣٢٦ ، طبعة دار المعارف.