تربه ، فاشتدّ ذلك على عمرو بن عبد مناف ، فقام خطيبا في قريش وكانوا يطيعون أمره ، فقال : إنكم أحدثتم حدثا تقلون فيه وتكثر العرب ، وتذلون وتعزّ العرب ، وأنتم أهل حرم الله ـ جل وعز ـ وأشرف ولد آدم ، والناس لكم تبع ، ويكاد هذا الاعتفاد يأتي عليكم.
فقالوا : نحن لك تبع.
قال : ابتدءوا بهذا الرجل ـ يعني أبا ترب أسد ـ فأغنوه عن الاعتفاد ففعلوا ، ثم إنّه نحر البدن ، وذبح الكباش والمعز ، ثم هشم الثريد ، وأطعم الناس ، فسمّى هاشما ، وفيه قال الشاعر :
عمرو العلا هشم الثريد لقومه |
|
ورجال مكة مسنتون (١) عجاف |
ثم جمع كل بني أب على رحلتين : في الشتاء إلى اليمن ، وفي الصيف إلى الشام للتجارات ، فما ربح الغني قسمه بينه وبين الفقير ، حتّى صار فقيرهم كغنيهم ؛ فجاء الإسلام وهم على هذا ، فلم يكن في العرب بنو أب أكثر مالا ولا أعزّ من قريش ، وهو قول شاعرهم :
والخالطون فقيرهم بغنيهم |
|
حتّى يصير فقيرهم كالكافي |
فلم يزالوا كذلك ، حتّى بعث الله رسوله محمدا (ص) ، فقال : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) بصنيع هاشم (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) أن تكثر العرب ويقلوا (٢).
ومع ذلك ـ أيضا ـ لم يكن كلّ أفراد قريش أثرياء مرفّهين ، بل كانت الكثرة الكاثرة منهم يتحملون السغب والجوع ، ومن ثمّ كانت كثرة العيال لهم محنة يتعسر عليهم تحمّلها.
ونذكر مثالين من سيرة الرسول كدليل على الوضع الاقتصادي لدى
__________________
(١) مسنتون : أي أصابتهم السنة. والسنة : الجدب والقحط.
(٢) تفسير القرطبي ٢٠ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥.