يمكن أن يقال : أوّلا : كما أفاد شيخنا الأعظم قدسسره إنّ أدلة الإباحة في محتمل الحرمة تنصرف إلى محتمل الحرمة وغير الوجوب (١) ووجهه ظاهر لاختصاص تلك الأدلة بما إذا كان طرف الحرمة هي الإباحة والحلية وليس في باب الدوران بين المحذورين احتمال الإباحة والحلية بل يكون مقابل الحرمة هو الوجوب كما لا يخفى.
وثانيا : كما أفاد في مصباح الاصول إنّ أدلة الإباحة الشرعية مختصة بالشبهات الموضوعية فلا تجري في ما إذا دار الأمر بين المحذورين في الشبهات الحكمية فالدليل أخصّ من المدعى (٢).
وثالثا : كما أفاد المحقّق النائيني قدسسره لا يمكن جعل الإباحة الظاهرية مع العلم بجنس الإلزام فإنّ أصالة الإباحة بمدلولها المطابقي تنافي المعلوم بالإجمال لأنّ مفاد أصالة الإباحة الرخصة في الفعل والترك وذلك يناقض العلم بالإلزام وإن لم يكن لهذا العلم أثر عملي وكان وجوده كعدمه لا يقتضي التنجيز إلّا أنّ العلم بثبوت الإلزام المولوي حاصل بالوجدان وهذا العلم لا يجتمع مع جعل الإباحة ولو ظاهرا فإنّ الحكم الظاهري إنّما يكون في مورد الجهل بالحكم الواقعي فمع العلم به وجدانا لا يمكن جعل حكم ظاهري يناقض بمدلوله المطابقي نفس ما تعلّق به العلم به (٣).
أجاب عنه سيّدنا الإمام المجاهد قدسسره بأنّ الحلية إنّما هي في مقابل الحرمة لا الحرمة والوجوب وعليه فالحكم بالحلية لازمه رفع الحرمة التي هو أحد الطرفين لا رفع الالزام الموجود في البين فما هو مرتفع لم يعلم وجدانا وما هو معلوم لا ينافيه الحلية والحاصل أنّ الدّليل الحل لا يكون مفاده الرخصة في الفعل والترك ضرورة أنّ الحلية إنّما هي في مقابل الحرمة لا الوجوب فدليل أصالة الإباحة يختص بالشبهات التحريميّة وليس في الأدلة ما يظهر منه الرخصة في الفعل والترك إلّا قوله كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي أو أمر على
__________________
(١) فرائد الاصول / ص ٢٣٨.
(٢) مصباح الاصول / ج ٢ ، ص ٣٢٩.
(٣) فرائد الاصول / ج ٣ ، ص ١٦٢.