ولذلك قال في الكفاية لا مجال هاهنا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان فإنّه لا قصور فيه هاهنا (١).
وثانيا : كما أفاد في نهاية الأفكار أنّ جريان البراءة العقلية يختص بما إذا لم يكن هناك ما يقتضي الترخيص في الفعل والترك بمناط آخر من اضطرار ونحوه غير مناط عدم البيان فمع فرض حصول الترخيص بحكم العقل بمناط الاضطرار والتكوين لا ينتهي الأمر إلى الترخيص الظاهري بمناط عدم البيان. وإن شئت قلت إنّ الترخيص الظاهري بمناط عدم البيان إنّما هو في ظرف سقوط العلم الإجمالي عن التأثير والمسقط له حيثما كان هو حكم العقل بمناط الاضطرار فلا يبقى مجال لجريان البراءة العقلية والشرعية نظرا إلى حصول الترخيص حينئذ في الرتبة السابقة عن جريانها بحكم العقل بالتخيير بين الفعل والترك (٢).
ودعوى : أنّ حكم العقل بالتخيير بعد اجراء قاعدة قبح العقاب بلا بيان في طرفي الفعل والترك وإلّا فلو احتمل عدم قبحه بالنسبة إلى خصوص أحد الطرفين لم يحكم بالتخيير فعلا.
وإن شئت قلت إنّ مجرى الاضطرار غير مجرى القاعدة فإنّما هو المضطر إليه هو أحدهما وأمّا خصوص الفعل أو الترك فليس موردا للاضطرار فلو فرض كون الفعل واجبا ومع ذلك فقد تركه المكلّف فليس عدم العقاب لأجل الاضطرار إليه لكون الفعل مقدورا بلا إشكال بل لقبح العقاب بلا بيان ومثله الترك حرفا بحرف (٣).
مندفعة : بأنّ قبل حكم العقل بالتخيير يمنع العلم الإجمالي عن جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان إذ لا موضوع لها بعد العلم الإجمالي فإنّه بيان وبعد حكم العقل بالتخيير بمناط الاضطرار لا حاجة إلى البراءة العقلية للترخيص نظرا إلى حصول الترخيص في الرتبة السابقة.
__________________
(١) الكفاية / ج ٢ ، ص ٢٠٦.
(٢) نهاية الأفكار / ج ٣ ، ص ٢٩٢ ـ ٢٩٣.
(٣) تهذيب الاصول / ج ٢ ، ص ٢٤٠.