ببقاء التكليف يحكم العقل باتيان الأكثر تحصيلا للعلم بالفراغ ولا مجال للبراءة.
مندفعة : بما في مصباح الاصول من أنّ الرجوع إلى القسم الثاني من استصحاب الكلي إنّما هو فيما إذا كان الفرد الحادث مرددا بين المرتفع والباقي وأمّا لو كان أحد الفردين متيقنا والآخر مشكوكا فيه فيجري الأصل بلا معارض فلا يصل النوبة إلى استصحاب الكلي كما إذا كان المكلّف محدثا بالحدث الأصغر ثمّ احتمل عروض الجنابة له بخروج بلل يحتمل كونه منيا ففي مثل ذلك لا معنى للرجوع إلى استصحاب الكلي بعد الوضوء لأنّ الحدث الأصغر كان متيقنا إنّما الشك في انقلابه إلى الأكبر فتجري أصالة عدم حدوث الأكبر وبضم هذا الأصل إلى الوجدان يحرز الفرد الحادث وأنّه الاصغر فلم يبق مجال لجريان استصحاب الكلي (١). وبعبارة اخرى حدوث وجوب الأقل معلوم ولا مجال للاستصحاب فيه وإنّما يجري الاستصحاب في عدم حدوث وجوب الأكثر.
اللهمّ إلّا أن يقال : فمع جريان استصحاب عدم حدوث وجوب الأكثر لا مجال للبراءة لأنّ الاستصحاب أصل محرز إلّا أن يقال لا مانع منه لأنّ الاصول متوافقة وأدلة اعتبار الاصول لا تمنع عن جريان المتوافقة بل تختص منعها بالمتخالفة فتدبّر.
هذا كلّه حال الأصل العقلي والشرعي بالنسبة إلى الأقل والأكثر الارتباطيين من الواجبات التوصلية.
وأما الأقل والأكثر الارتباطيين من الواجبات التعبدية فمحصّل القول فيها أنّها كالتوصليات من حيث جريان البراءة في القيود والتفصيل في ذلك أنّه إن قلنا بامكان اخذ قصد القربة في المأمور به وعلمنا بأخذه فيه فقصد القربة يصير حينئذ كالأجزاء المعلومة في لزوم اتيانها فيجب الاتيان بالأقل متقربا إلى الله تعالى.
وإن شككنا في أخذه وعدمه بعد امكان أخذه فهو كسائر الأجزاء المشكوكة يجري فيه أصالة البراءة وإن قلنا بعدم امكان اخذ قصد القربة في المأمور به وكونه من الأغراض
__________________
(١) مصباح الاصول / ج ٢ ، ص ٤٤٤.