للمفاهيم اللغوية حتى أنّ لفظ العقل المعبّر عن القوة المفكرة للانسان أصله من عقال البعير وهو الحبل الذي يشد به ليمنعه عن الحركة وهو أمر محسوس وهذا يشير إلى مدى أصالة المفاهيم الحسية في تكوين اللغة وعليه فتفسير اللفظ بمعنى حسّي أو أعم من الحسّي وغيره بحيث يكون أصيلا في الحسّ ثمّ يتطور إلى معنى أعم هو الأقرب إلى طبيعة اللغة وما يعرف من مبادي تكوينها ففي المقام يكون تفسير مادة (ض ر ر) بالضيق أو النقص أولى وأقرب من تفسيرها بمفهوم تجريدي كسوء الحال والحاصل أنّ تفسير الضرر بسوء الحال بعيد عن المعنى اللغوي إلى أن قال كما أنّ تفسيره بالضيق بأن يجعل المعنى الاصلي (الضيق) سواء كان حسيا مكانيا أو معنويا حاليا بحيث يكون استعمال الضرر في موارد النقص وسوء الحال إنّما هو بلحاظ تسبيبها للضيق يرد عليه أنّ الملاحظ كثرة استعمال الضرر في موارد النقص وإن لم يستوجب ضيقا على الشخص مضافا إلى أنّ الضيق قد جعل في الآية الكريمة (وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ) غاية للاضرار فلا ينسجم مع كون الضرر بمعنى الضيق إذ لا معنى لجعل الشيء غاية لنفسه. (١)
لقائل أن يقول إنّ مسالة التطور في الاستعمالات العرفية لا يرتبط بوضع الألفاظ للمعاني في اللغة واللغوي جعل مثلا لفظ السراج لمطلق ما يضيء لا أنّه وضع أولا لمنور محسوس ثمّ تطور في الاستعمالات العرفية ويعم المنور المعنوي وهكذا في لفظ الميزان ونحوه ويشهد على ذلك أنّ استعمال الألفاظ في المعاني غير المحسوسة مورد الحاجة في عرض الاحتياج إلى استعمالها في المعاني المحسوسة أفيمكن أن يقال إنّ كلمة سوء الحال لم تكن موضوعة في أول وضع اللغات مع أنّ سوء الحال من المعاني غير المحسوسة هذا مضافا إلى أنّ الاستدلال بجعل الضيق غاية للاضرار لا يخلو عن الاشكال لأنّ الاستعمال مع القرينة لا يكون دليلا على كون معنى اللفظ هو ذلك بدون القرينة. فالأولى في اثبات كون معنى الضرر هو النقص بمعناه الجامع هو أن يقال إنّ ذلك هو المتبادر من لفظه لا النسبية للتدرج
__________________
(١) قاعدة لا ضرر ولا ضرار للسيد المحقّق السيستاني مد ظله العالي / ص ١١١ ـ ١١٣.