الأوّل يغني عن الثاني وهذا هو معنى التاكيد.
اللهمّ إلّا أن يقال : وجه ذكره بعد ذكر الأوّل توهم جواز الاضرار إذا كان بعنوان المجازاة إذ لو لم يصرح بنفي الضرار لما فهم من نفي الضرر نفي الضرار المجازاتي فبهذه الملاحظة خرج عن التكرار والتأكيد ولكن بقي عدم انطباقه على مورد الرواية فتأمّل.
وقد ذهب السيد المحقّق السيستاني مد ظله العالي إلى أنّ معنى اسم مصدري مأخوذ من المجرد والضرار مصدر يدلّ على نسبة صدورية مستتبعة لنسبة أخرى ولذلك ذكر المحقّق الرضي قدسسره إلى أنّ الصيغة تفيد معنى المبالغة وأوضحنا في المسلك المختار أنّ إفادة معنى المبالغة إنّما هي باعتبار الدلالة على تكرار النسبة أو استمرارها. (١)
وهذا أيضا لا يخلو عن الاشكال وهو أنّ نفي الضرر المستمر والمكرر يستفاد بالأولوية من نفي الضرر غير المكرر إن خصصنا نفي الضرر بغير المكرر وعليه فذكر الأوّل يغني عن الثاني وهذا هو معنى التاكيد الذي عرفت أنّه خلاف الأصل.
نعم لو قلنا بأنّ الأوّل يعمّ المكرر وغيره فذكر الثاني يكون من باب ذكر الخاص بعد العام فلا بد من ذكره بعد ذكر العام من نكتة ولا يبعد أن يكون المناسبة مع المورد نكتة لذكره وممّا ذكر يظهر النظر فيما أفاده الشهيد الصدر قدسسره من أنّ المقصود من الضرار هو الضرر المتعمد الذي يصرّ عليه ويتخذه ذريعة إليه وهذا هو المتعين في المقام فإنّ سمرة بن جندب كان يتذرع ويصرّ على الاضرار بالأنصاري باتخاذ حقه في العذق ذريعة إلى الدخول عليه بلا استئذان فالحكم بأنّ الناس مسلّطون على أموالهم وإن كان غير ضرري في نفسه ولكن قد يتخذ ذريعة للاضرار بالآخرين ويتقصد به ذلك كما فعل سمرة بن جندب إلى أن قال وهذا المعنى مضافا إلى استفادتنا له وجدانا من كلمة الضرار هو المناسب من استعمال هذه الكلمة في هذه الروايات بلحاظ ما اشرنا إليه من لزوم التكرار المستهجن. (٢)
__________________
(١) قاعدة لا ضرر / ج ٢ ، ص ١٣٢.
(٢) بحوث في علم الاصول / ج ٥ ، ص ٤٥٨.