عن عدم النهي فحسب كما حقق في علم الاصول وعلى ضوء هذا كان مفاد (لا ضرر) طبعا نفي التسبيب إلى الضرر بجعل حكم شرعي يستوجب له.
وامّا الفقرة الثانية وهي (لا ضرار) فهي تختلف في نوع المنفي وسائر الملابسات عن الفقرة الأولى لأنّ الضرار مصدر يحتوي على النسبة الصدورية من الفاعل كالاضرار وصدور هذا المعنى من الإنسان أمر طبيعي موافق لقواه النفسية غضبا وشهوة وبذلك كان نفيه خارجا من قبل الشارع ظاهرا في التسبيب إلى عدمه والتصدي له ومقتضى ذلك أوّلا تحريمه تكليفا فإنّ التحريم التكليفي خطوة أولى في منع تحقق الشيء خارجا وثانيا تشريع اتخاذ وسائل اجرائية ضدّ تحقق الاضرار من قبل الحاكم الشرعي وذلك لأنّ مجرد التحريم القانوني ما لم يكن مدعما بالحماية اجراء لا سيما في مثل (لا ضرار) لا يستوجب انتفاء الطبيعة ولا يصحح نفيها خارجا. (١)
أمّا الوجه التفصيلي فهو بالنسبة إلى المقطع الأوّل من الحديث (لا ضرر) أنّ الحس اللغوي لمن عرف اللغة العربية يشهد بأنّ الضرر انما يمثل المعنى نازلا بالمتضرر لا صادرا من الفاعل فهو معنى اسم مصدري كالمضرة والمنقصة وليس معنى مصدريا كالاضرار إلى أن قال وعلى هذا فيكون مثل هذا التركيب مثل سائر الامثلة له حالا ك (لا حرج) ما يكون المعنى المنفي عنه عملا مرغوبا عنه للمكلف بحسب طبعه وإنّما يتحمله بتصور تشريع يفرضه عليه فيكون المنساق من النفي قصد نفي التشريع المتوهم أو المترقب فحسب وبذلك يكون مفاد لا ضرر نفي التسبيب إلى الضرر لجعل حكم ضرري كما هو مسلك المشهور.
وأمّا المقطع الثاني من الحديث وهو (لا ضرار) فحاصل كلامه أنّ الضرار هو الاضرار المتكرر أو المستمر وقد ذكرنا أنّ الاضرار بالغير عمل يمارسه الانسان بطبعه لأجل ارضاء الدواعي الشهوية والغضبية فإذا نهى عنه كما في جملة من الآيات فهو ظاهر في النهي التحريمي زجرا للمكلفين عن هذا العمل كما هو واضح وإذا نفي كما في هذا الحديث فإنّه يدلّ
__________________
(١) قاعدة لا ضرر للسيد المحقّق السيستاني مد ظله العالي / ص ١٢٩ ـ ١٣٥.