مع أنّ عادة المصنّفين إيرادهم جميع ما رووه كما يظهر من طريقتهم ، مضافا الى ما في أول الفقيه (١).
ومنها : قولهم : كان من الطيّارة ، ومن أهل الارتفاع (٢).
__________________
قدح القدماء كثيرة. لا يخلو من نظر ، لأنّا لا ننكر كثرة أسباب القدح عندهم ، إنا نمنع التعبير عن أمثال ذلك بمطلق ضعف الرجل.
(١) حيث قال الشيخ الصدوق في ديباجة الفقيه : ١ / ٣ : ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما افتي به وأحكم بصحته.
(٢) قال السيد الأعرجي في العدة : ٢٨ : ومنها قولهم : كان من الطيّارة ، ومرتفع القول ، وفي مذهبه ارتفاع ، يريدون بذلك كلّه الغلو والتجاوز بأهل العصمة إلى ما لا يسوغ ـ وهو الذي أراد من قال في محمّد بن سنان : أراد أن يطير فقصصناه ـ والمعروف في مثل هذا عدّه في القوادح ، كما في معناه.
لكن قال الأستاذ : الظاهر أنّ كثيرا من القدماء سيّما القميين وابن الغضائري كانوا يعتقدون للأئمة عليهمالسلام منزلة خاصة من الرفعة والجلالة ، ومرتبة معينة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ، لا يجوّزون التعدي عنها ، فكانوا يعدون التجاوز عنها ارتفاعا وغلوا ، حتى جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوا ، بل ربما جعلوا نسبة مطلق التفويض إليهم ، أو التفويض المختلف فيه ، أو الإغراق في إعظامهم ، وحكاية المعجزات وخوارق العادات عنهم ، أو المبالغة في تنزيههم عن النقائص ، وإظهار سعة القدرة ، وإحاطة العلم بمكنونات الغيوب في السماء والأرض ارتفاعا ، وموجبا للتهمة خصوصا ، والغلاة كانوا مخلوطين بهم يتدلسون فيهم.
قال : وبالجملة فالظاهر أنّ القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأصولية كالفرعية ، فربما كان بعض الاعتقادات عند بعضهم كفرا أو غلوا أو تفويضا أو جبرا أو تشبيها أو نحو ذلك ، وعند آخرين ممّا يجب اعتقاده.
وربما كان منشأ جرحهم للرجل ورميهم إياه بالأمور المذكورة روايته لما يتضمن ذلك ، أو نقل الرواية المتضمنة لذلك ، أو لشيء من المناكير عنه ، أو دعوى بعض المنحرفين أنّه منهم ، فينبغي التأمّل في جرحهم بأمثال هذه الأمور ، ومن لحظ موقع قدحهم في كثير من المشاهير : كيونس بن عبد الرحمن ، ومحمّد بن سنان ، والمفضّل بن عمر ، ومعلى بن خنيس ، وسهل بن زياد ، ونصر بن الصباح ، في كثير من أمثالهم ، عرف الوجه في ذلك ، وكفاك شاهدا إخراج محمّد بن أحمد بن عيسى لأحمد بن محمّد بن خالد.
قال المحقق محمّد بن الحسن : إن أهل قم كانوا يخرجون الراوي بمجرد توهم الريب.