وحينما مضى النبيّ (ص) الى جنة المأوى ، وسمت روحه الى الرفيق الاعلى ، انثالت الفتن على المسلمين تترى كقطع الليل المظلم ، وعصفت بهم امواج عارمة من الانشقاق والاختلاف زعزعت كيانهم وصدعت شملهم ، ومزقت وحدتهم ، وقد بين تعالى ما يمنى به المسلمون بعد وفاة نبيه من الارتداد والاختلاف قال تعالى : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ .. ) (١)
فاي رزية اعظم من رزية الانقلاب؟ وأي كارثة اقسى من كارثة الارتداد بعد الايمان!! لقد ترك القوم جثمان نبيهم لم يواروه في مقره الأخير وتهالكوا على الامرة والسلطان ، وصمموا على صرف الخلافة الاسلامية عن أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي والتنزيل ، وقد تحدث الامام أمير المؤمنين عليهالسلام عن غب ما فعلوه وسوء ما ارتكبوه يقول عليهالسلام :
« حتى اذا قبض رسوله رجع قوم على الاعقاب ، وغالتهم السبل واتكلوا على الولائج (٢) ووصلوا غير الرحم ، وهجروا السبب الذي أمروا بمودته ، ونقلوا البناء عن رص أساسه (٣) فبنوه في غير موضعه معادن كل خطيئة ، وأبواب كل ضارب في غمرة » (٤)
لقد استأثروا بالامر ، ونقلوه عن اهله ومعدنه ، ووضعوه في غير محله ، وقد فاجئوا أهل البيت (ع) ـ والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر
__________________
(١) سورة آل عمران : آية ١٤٤
(٢) الولائج : جمع وليجة وهي بطانة الانسان وخاصته
(٣) الرص : مصدر رصص الشى اى الصق بعضه ببعض ومنه قوله تعالى ( كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ ).
(٤) نهج البلاغة محمد عبده ٢ / ٤٨