فخاف عمر بن الخطاب أن يفوز احد بالخلافة قبل مجيء أبي بكر فصنع فذلكة دلت على سياسته النفسية وخبرته الفائقة باحوال المجتمع فقد اوقف حركة البيعة ، وشغل الناس حتى عن تفكيرهم فقد راح يهز بيده السيف ويهتف بصوت عال.
« إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد مات. وإنه والله ما مات ولكنه ذهب الى ربه كما ذهب موسى بن عمران .. والله ليرجعن رسول الله فيقطعن أيدي رجال وأرجلهم ممن ارجفوا بموته ... »
وجعل لا يمر باحد يقول : مات رسول الله الا خبطه بسيفه ، وتهدده وتوعده (١) واستغرب المسلمون من هذه البادرة ، واستطابها السذج والبسطاء ، فقد جاءهم بالأمل اللذيذ والحلم الجميل فان النفوس تأبى أن تذعن بموت العظيم ، وتتمسك بحياته بالخيال والأوهام ، وقد ساق إليها عمر أطيب الاماني واروع الآمال ، اخبرها بحياة عزيزها ومنقذها ، وأملها باظهار دينه على الدين كله ، واضاف الى كلامه اعنف الارهاب والتهديد وعزاه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بتقطيعه الايدي والارجل ممن ارجف بموته ، كما توعد هو بالقتل لمن فاه بموت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم واستمر على هذا الحال يبرق ويرعد ، ويتهدد ويتوعد حتى وصل أبو بكر إلى يثرب فاحتف به عمر وانطلقا إلى بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فكشف أبو بكر الرداء عن وجه النبي (ص) وإذا بجثمانه الطاهر قد رحلت منه روحه الزكية ، فخرج وهو يفند مقالة عمر والتفت إلى الجماهير الحائرة التي اذهلها الخطب فقال لها :
« من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فان
__________________
(١) شرح ابن ابي الحديد.