عمر يتصرف حيثما شاء ، قد استأثر بالاموال فشرى بها الضمائر ، واحاط نفسه بالاتباع لا رقيب عليه ، ولم توجه له اي مسئولية ، وانما يرى التسديد ، والمديح والرضا بما يعمل ، وبعد وفاة عمر أقره عثمان على عمله ، وزاد في سلطانه فضم إليه فلسطين بعد موت عاملها عبد الرحمن ابن علقمة الكناني ، كما ضم إليه حمص بعد ان استعفاه عاملها عمير بن سعد الانصاري ، وبذلك خلصت له ارض الشام كلها ، واصبح من اعظم الولاة قوة ، ومن اكثرهم نفوذا ، واصبح قطره من اهم الاقطار الاسلامية وامنعها واكثرها هدوءا واستقرارا.
ومما لا شبهة فيه ان عثمان قد زاد في نفوذه ، ووسع رقعة سلطانه ، ومهد له نقل الخلافة الاسلامية الى آل ابي سفيان ، وقد صرح بذلك الدكتور طه حسين قال ما نصه :
« وليس من شك في ان عثمان هو الذي مهد لمعاوية ما اتيح له من نقل الخلافة ذات يوم الى آل أبي سفيان وتثبيتها في بنى أميّة. فعثمان هو الذي وسع على معاوية في الولاية فضم إليه فلسطين وحمص ، وأنشأ له وحدة شامية بعيدة الارجاء ، وجمع له قيادة الاجناد الاربعة ، فكانت جيوشه أقوى جيوش المسلمين. ثم مد له في الولاية أثناء خلافته كلها كما فعل عمر ، واطلق يده فى امور الشام اكثر مما اطلقها عمر. فلما كانت الفتنة نظر معاوية فاذا هو أبعد الامراء بالولاية عهدا وأقواهم جندا وأملكهم لقلب رعيته. » (١)
إن عثمان قد عبّد له الطريق ، وأتاح له الفرصة لمنازعة أمير المؤمنين ومحاربته ، وارتكابه لفظائع المنكرات والموبقات ، وقتله صلحاء المسلمين
__________________
(١) الفتنة الكبرى ١ / ١٢٠