وتعفي لنا عما في أيدينا ، وتقتل قتلة صاحبنا .. »
فرد عليه الامام مقالته وأجابه بمنطق الاسلام الذي لا تعيه قريش قائلا :
« أما ما ذكرت من وتري إياكم فالحق وتركم ، وأما وضعي عنكم عما فى أيديكم فليس لي أن أضع حق الله ، وأما إعفائي عما في أيديكم فما كان لله وللمسلمين فالعدل يسعكم ، وأما قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتالهم اليوم لزمني قتالهم غدا ولكن لكم أن أحملكم على كتاب الله وسنة نبيه فمن ضاق الحق فالباطل عليه أضيق ، وإن شئتم فالحقوا بملاحقكم .. » (١)
ان قريشا تريد المساومة من الامام على أموال الأمة ، وتريد منه أن ينحرف عن خطته القويمة التي تنشد المصلحة العامة ، وحمل الناس على الحق الواضح والمحجة البيضاء ، ولكن الامام قد عاهد الله وعاهد المسلمين أن يطبق أحكام القرآن ويحيي معالم الإسلام ، ويسير على ضوء سنة النبي (ص) وأن لا ينصاع للأحداث والظروف مهما كانت قاسية وشديدة ، وأن يقف بالمرصاد لكل ظالم ومعتد على المسلمين ، لذا أظهرت قريش حقدها البالغ على حكومته ، وهبت بأحلافها وأبنائها على اعلان التمرد والعصيان ، ويصف ابن أبي الحديد مدى اضطرابهم وقلقهم بقوله :
« كأنها حاله لو أفضت الخلافة إليه يوم وفاة ابن عمه من اظهار ما في النفوس وهيجان ما في القلوب حتى الأحلاف من قريش ، والأحداث والفتيان الذين لم يشهدوا وقائعه ، وفتكاته في أسلافهم وآبائهم فعلوا ما لو كانت الأسلاف أحياء لقصرت عن فعله .. »
لقد امتحن الامام امتحانا عسيرا بهؤلاء العتاة الذين لم ينفث الاسلام إلى قلوبهم ومشاعرهم ، وقد أترعت نفوسهم بالحقد عليه لأنه وقف إلى
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٥