والمغيرة بن شعبة (١) وهؤلاء قد انحرفوا عن الحق وضلوا عن الطريق فان بيعة الامام قد قام عليها الاجماع وليس لهم أي عذر في التأخر عن مبايعته فتخلفهم كان خرقا للاجماع ، وخروجا على ارادة الأمة ، وقد فتحوا بذلك باب البغي والتمرد على حكومة الامام ، وأشعلوا نار الفتنة في البلاد ، وقد اعتذر سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة في الجنة ـ كما يقولون ـ عن سبب اعتزاله عن الامام وعن بني أمية أيام الفتنة الكبرى فقال : إني لا أقاتل حتى يأتوني بسيف مبصر عاقل ناطق ينبئني أن هذا مسلم وهذا كافر ، وهو اعتذار مهلهل لا يدعمه منطق ولا برهان فان بيعة الامام كانت شرعية بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة فقد اصحر بها الامام وبايعه جمهور المسلمين ولم تكن بيعته فلتة كبيعة أبي بكر ، ولا بادلاء شخص معين كبيعة عمر ، ولم تستند إلى جماعة معينة كبيعة عثمان فالفئة التي خرجت عليه كانت باغية يجب قتالها كما أمر الله بذلك قال تعالى : « فقاتلوا التي تبغي حتى تفىء إلى أمر الله » ولكن سعدا كان يحمل حقدا على الامام وهو الذي وهب صوته إلى عبد الرحمن بن عوف لاضعاف كفة الامام كما بينا ذلك في حديث الشورى ، وأخيرا ندم على ما فرط في أمره وود أن يكون مع الامام ، كما ندم عبد الله بن عمر فقال عند موته : إني لم أخرج من الدنيا وليس في قلبي حسرة إلا تخلفي عن علي ، وقد انتقم الله منه فأراه الذل والهوان فى أواخر أيامه فقد عاش إلى زمن عبد الملك فجاء الحجاج ليأخذ البيعة له فجاء عبد الله في آخر الناس لئلا يراه أحد فعرف الحجاج ذلك فاحتقره واستهان به وقال له :
« لم لم تبايع أبا تراب وجئت تبايع آخر الناس لعبد الملك أنت أحقر
__________________
(١) الكامل لابن الأثير ٣ / ٧٤.