بالحكمة ، وذلّله بذكر الموت ، وقرره بالفناء (١) ، وبصره فجائع الدنيا وحذره صولة الدهر ، وفحش تقلب الليالى والأيام ، وأعرض عليه أخبار الماضين وذكره بما اصاب من كان قبلك من الأولين ، وسر في ديارهم وآثارهم ، فانظر فيما فعلوا ، وعما انتقلوا ، وأين حلوا ونزلوا ، فانك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبة وحلوا ديار الغربة ، وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم ، فاصلح مثواك. ولا تبع آخرتك بدنياك ، ودع القول فيما لا تعرف ، والخطاب فيما لم تكلف وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته ، فان الكف عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال ، وأمر بالمعروف تكن من أهله وأنكر المنكر بيدك ولسانك ، وباين من فعله بجهدك ، وجاهد في الله حق جهاده ، ولا تأخذك في الله لومة لائم ، وخض الغمرات (٢) للحق حيث كان ، وتفقه في الدين ، وعود نفسك التصبر على المكروه ، ونعم الخلق التصبر ( فى الحق ) وألجئ نفسك فى الأمور كلها إلى إلهك فانك تلجئها إلى كهف حريز (٣) ، ومانع عزيز وأخلص في المسألة لربك فان بيده العطاء والحرمان ، واكثر الاستخارة (٤) ، وتفهم وصيتي ، ولا تذهبن عنها صفحا (٥) فان خير القول ما نفع ، وأعلم أنه لا خير في علم لا ينفع ، ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه (٦).
__________________
(١) قرره : اى اطلب منه الاقرار بالفناء.
(٢) الغمرات : الشدائد.
(٣) الكهف : الملجأ ، الحريز ، الحافظ.
(٤) الاستخارة اجالة الراي في الأمر قبل فعله لاختيار احسن وجوهه.
(٥) صفحا : اى جانبا ، والمراد انك لا تعرض عنها.
(٦) لا يحق ـ بكسر الحاء وضمها ـ اى : لا يكون من الحق تعلمه ومعرفته وذلك كالسحر والشعبذة ونحوهما من العلوم التي لا تنفع.