على ستين عاما ، وهو سن من يفارق الحياة ، ويقبل على الآخرة ، وقد وصف كل من يولد في الدنيا بأنه يؤمل ما لا يدركه ، في الوقت الذي يسلك فيه سبيل الهالكين ، وانه غرض للاسقام وحليف للهموم والاحزان وقد ذكر «ع» بعد هذا الاسباب الوثيقة التي دعته لرسم هذه الوصية فيقول :
« .. أما بعد ، فان فيما تبينت من إدبار الدنيا عنى ، وجموح الدهر علىّ (١) ، وإقبال الآخرة إلىّ ، ما يرغبني عن ذكر من سواى والاهتمام بما ورائى (٢) غير أنى حيث تفرد بي ـ دون همموم الناس ـ هم نفسى ، فصدقنى رأيى وصرفني عن هوائي ، وصرح لى محض أمرى ، فأفضى بي إلى جد لا يكون فيه لعب ، وصدق لا يشوبه كذب ، ووجدتك بعضي بل وجدتك كلى حتى كأن شيئا لو أصابك اصابني. وكأن الموت لو أتاك أتاني فعنانى من أمرك ما يعنيني من امر نفسى ، فكتب إليك ( كتابى ) مستظهرا به (٣) إن أنا بقيت لك أو فنيت .. »
وبعد ما ذكر العوامل التي دعته لأن يرسم هذه الوصية شرع في بيان المثل الكاملة التي ينبغي لولده أن يتمسك بها ويسير عليها فقال :
« .. فانى أوصيك بتقوى الله ولزوم أمره ، وعمارة قلبك بذكره والاعتصام بحبله ، وأى سبب أوثق من سبب بينك وبين الله إن أنت أخذت به؟
أحى قلبك بالموعظة ، وأمته بالزهادة ، وقوه باليقين ، ونوره
__________________
(١) الجموح : التغلب والاستعصاء
(٢) يريد به امر الآخرة.
(٣) مستظهرا اى مستعينا.