الدنيا لم تكن لتستقر إلا على ما جعلها الله عليه من النعماء (١) والابتلاء والجزاء في المعاد ، أو ما شاء مما لا نعلم فان أشكل عليك شيء من ذلك فاحمله على جهالتك به فانك أول ما خلقت جاهلا ثم علمت ، وما اكثر ما تجهل من الأمر » ويتحير فيه رأيك ويضل فيه بصرك ثم تبصره بعد ذلك فاعتصم بالذى خلقك ورزقك وسواك ، وليكن له تعبدك ، وإليه رغبتك ، ومنه شفقتك (٢).
وبعد هذا شرع (ع) في توحيد الله وإقامة الادلة عليه وبعد فراغه من ذلك أخذ في بيان الآداب الاجتماعية فقال :
يا بنى ، اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك ، فاحبب لغيرك ما تحب لنفسك ، واكره له ما تكره لها ، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم واحسن كما تحب أن يحسن إليك ، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك ، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك (٣) ولا تقل ما لا تعلم وإن قل ما تعلم ، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك.
واعلم أن الاعجاب ضد الصواب ، وآفة الألباب (٤) فاسع في كدحك (٥)
__________________
(١) اي : لا تثبت الدنيا على حال لما اودع الله فيها من التلون بالنعيم تارة وبالبلاء اخرى.
(٢) « شفقتك » اي : خوفك.
(٣) اي إذا عاملوك بمثل ما تعاملهم فارض بذلك ، ولا تطلب منهم ازيد مما تقدم لهم.
(٤) الاعجاب : استحسان ما يصدر منه وهو من رذائل الأخلاق.
(٥) الكدح : اشد السعي.