الناصح وغش المستنصح (١) وإياك واتكالك على المنى فانها بضائع الموتى والعقل حفظ التجارب. وخير ما جربت ما وعظك. بادر الفرصة قبل أن تكون غصة. ليس كل طالب يصيب ، ولا كل غالب يؤوب ، ومن الفساد اضاعة الزاد ، ومفسدة المعاد ، ولكل أمر عاقبة ، سوف يأتيك ما قدر لك ، التاجر مخاطر!! ورب يسير أنمى من كثير ، ولا خير في معين مهين ولا في صديق ظنين ، ساهل الدهر ما ذلّ لك قعوده (٢) ولا تخاطر بشيء رجأ اكثر منه وإياك أن تجمح بك مطية اللجاج!! احل نفسك من أخيك ـ عند صرمه ـ على الصلة (٣) وعند صدوده على اللطف والمقاربة وعند جموده (٤) على البذل وعند تباعده على الدنو ، وعند شدته على اللين ، وعند جرمه على العذر ، حتى كأنك له عبد ، وكأنه ذو نعمة عليك ، وإياك أن تضع ذلك في غير موضعه ، أو أن تفعله بغير أهله ، لا تتخذن عدو صديقك عدوا فتعادي صديقك ، وامحض أخاك النصيحة حسنة كانت أو قبيحة ، وتجرع الغيظ فاني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة ولا ألذ مغبة (٥) ولن لمن غالظك فانه يوشك أن يلين لك وخذ على عدوك بالفضل فانه أحلى الظفرين ، وان أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية يرجع إليها إن بدا له ذلك
__________________
ـ بالرفق عنفا ، ويكون العنف من الرفق وذلك كمقام التأديب.
(١) المستنصح ـ على زنة اسم المفعول ـ المطلوب منه النصح ، فيلزمه التفكر والتروي في جميع الاحوال لئلا يروج غش او تنبذ نصيحة.
(٢) المراد ساهل الدهر ما دام منقادا لك ، وخذ حظك منه.
(٣) الصرم : القطيعة.
(٤) الجمود : البخل.
(٥) المغبة : ـ بفتحتين ثم باء مشددة ـ بمعنى العاقبة وكظم الغيظ.