ان القوم مدفوعون بدافع الملك والسلطان ، ولو تم الأمر لهما لأجهز كل واحد منهما على صاحبه ، فانهما بعد في بداية الطريق وقد ظهرت منهما بوادر الانشقاق والاختلاف.
إنهما لم يخرجا على حكم الامام الا من أجل المنافع المادية الضيقة وقد اعترف بذلك الزبير فقد جاء إليهما رجل وهما في جامع البصرة فقال لهما :
« نشدتكما بالله في مسيركما أعهد إليكما فيه رسول الله شيئا؟ ... »
فسكت طلحة ولم يجبه بشيء فاجابه الزبير :
« ـ لا ـ ولكن بلغنا أن عندكم دراهم فجئنا نشارككم فيها ... » (١)
لقد حدد الزبير خروجهم على وصي رسول الله فهو انما كان من أجل الاطماع والمنافع وليس فيه أى عهد من الرسول (ص).
وعلى أى حال فقد سقطت البصرة بايديهم واحتلت قواتهم جميع مواقعها وأمرت عائشة بقتل عثمان بن حنيف الا ان احدى السيدات استعظمت هذا الأمر وقالت لعائشة :
« نشدتك الله يا أم المؤمنين في عثمان وصحبته لرسول الله » فعدلت عن رأيها وأمرت بحبسه (٢) وأمرت بقتل الشرطة وحراس بيت المال وعددهم سبعون شخصا وهم من خيار المسلمين وصلحائهم فقتلوا صبرا (٣) ولم تتحرج أم المؤمنين فى إراقة دمائهم ، ولم تتأثم فى اشاعة الثكل والحزن والحداد بين أهليهم ، قد أعرضت عما أمر الله به من الحريجة في الدماء وحرمة سفكها بغير الحق.
__________________
(١) الطبري ٥ / ١٨٣.
(٢) الطبري ٥ / ١٧٨.
(٣) شرح النهج ٢ / ٥٠.