تمر بعض الحوادث في دنيا الوجود وتذهب من دون أن تترك أثرا مهما يذكره التأريخ وإن كان لها في وقتها من الخطورة شأن كبير ، وتمر بعض الحوادث الأخرى في ميدان الحياة فتبقى خالدة خلود الدهر لأنها تركت أثرا اجتماعيا عاد بالخير العميم على الانسان ، وتجتاز بعض الحوادث على مسرح الحياة فتملأ الدنيا بالمآسي والخطوب وتعود بشقاء الانسان واستعباده ، من هذه الحوادث المفجعة والرزايا المؤلمة حادثة صفين التي تجسم فيها الصراع بين الحق والباطل ، وبين العدل والجور والظلام والنور وبين الخلافة الدينية التي تنشد صالح الانسان واسعاده. وبين الحكم الفوضوي الذي لا يهدف إلا إلى الإثرة والاستغلال والمتاجرة بمصالح الشعوب.
إن الشعوب الاسلامية لم تقرر مصيرها الحاسم في وقعة صفين فقادها ذلك الى الاستعباد والاذلال والخضوع للظلم والجور ، وقد المع الى ذلك الاستاذ مالك الجزائري في ايضاحه للاسس القويمة التي تبناها مؤتمر ( باندونج ) اذ يقول :
ولقد عرف التأريخ الاسلامي لحظة كهذه ـ اي فى تقرير حق المصير ـ في معركة صفين تلك الحادثة الموسفة المؤثرة التي نتج عنها التذبذب في الاختيار ، الاختيار الحتم بين علي ومعاوية ، بين المدينة ودمشق ، بين الحكم الديمقراطي الخليفي والحكم الاسري ، ولقد اختار المجتمع الاسلامي في هذه النقطة الفاصلة في تأريخه الطريق الذي قاده اخيرا الى القابلية للاستعمار والى الاستعمار » (١)
لقد انخذل المجتمع الاسلامى في حادثة صفين فلم يقرر مصيره الحاسم فانتج ذلك خذلان الامام أمير المؤمنين وارغام الامام الحسن من بعده على
__________________
(١) فكرة الافريقية الآسيوية ، في ضوء مؤتمر باندونج / ١١١