فأجابه الخوارج :
« أما ما جعل حكمه الى الناس وأمر بالنظر فيه والاصلاح له فهو إليهم كما أمر به ، وما حكم فأمضاه فليس للعباد أن ينظروا فيه ، حكم في الزاني مائة جلدة ، وفي السارق بقطع يده فليس للعباد أن ينظروا فيه » واندفع ابن عباس يجيبهم :
ـ إن الله عز وجل يقول : ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (١) ـ أو تجعل الحكم في الصيد ، والحدث يكون بين المرأة وزوجها كالحكم في دماء المسلمين؟ وهذه الآية بيننا وبينك ، أعدل عندك ابن العاص؟ وهو بالأمس يقاتلنا ويسفك دماءنا ، فان كان عدلا فلسنا بعدول ونحن اهل حربه وقد حكمتم في أمر الله الرجال وقد امضى الله عز وجل حكمه في معاوية وحزبه أن يقتلوا أو يرجعوا وقبل ذلك دعوناهم الى كتاب الله عز وجل فأبوه ثم كتبتم بينكم وبينه كتابا وجعلتم بينكم وبينه الموادعة والاستفاضة وقد قطع الله الاستفاضة والموادعة بين المسلمين وأهل الحرب منذ نزلت ( براءة ) إلا من أقر بالجزية.
وبقى ابن عباس يحاججهم ويحاججونه ، لم تغن معهم شيئا الأدلة القطعية والبراهين الحاسمة التي أقامها على خطل رأيهم.
ورحل الامام إليهم تصحبه زمرة من اصحابه ليناظر هؤلاء المارقين فانتهى (ع) الى فسطاط يزيد بن قيس فدخل فيه وتوضأ وصلى ركعتين ثم اقبل نحو القوم فرأى ابن عباس يناظرهم فزجره قائلا : : انته عن كلامهم ، ألم انهك رحمك الله؟ ثم التفت الى القوم قائلا :
« اللهم. إن هذا مقام من افلج فيه كان اولى بالفلج يوم
__________________
(١) سورة المائدة آية ٩٥