فما كان من الأول ، فإن كان الفعل المقصود الحكم فهو حرام مطلقا كما مرّ ، سواء كان الحكم لخصومة حاضرة أو فرضيّة ، ولذا حكموا بحرمة الهديّة الغير المعهودة قبل القضاء ، لأنّه قرينة على أنّ المقصود منه الحكم ولو فرضا.
وهو كذلك ، لصدق الرشوة عرفا ، فتشمله إطلاقاتها ، وعليه يحمل إطلاق ما ورد في طريق العامّة والخاصّة كما في أمالي الشيخ : « إنّ هدايا العمّال » كما في بعضها ، أو : « هديّة الأمراء » كما في بعض آخر « غلول » أو « سحت » (١).
وتدلّ عليه أيضا رواية أبي حميد الساعدي : قال : استعمل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم رجلا ـ يقال له : اللثّة ـ على الصدقة ، فلمّا قدم قال : هذا لكم وهذا أهدي لي ، فقام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على المنبر فقال : « ما بال العامل نبعثه على أعمالنا يقول : هذا لكم وهذا أهدي لي ، فهلاّ جلس في قعب بيته أو في بيت امّه فينظر أيهدى له أم لا ، والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منها شيئا إلاّ جاء يوم القيامة يحمله على رقبته » الحديث (٢).
وإن كان غير الحكم ، فإن كان أمرا محرّما فهو أيضا كرشوة الحكم محرّم ، لكونه إعانة على الإثم واتّباعا للهوى.
وإن لم يكن محرّما فلا يحرم ، للأصل ، واختصاص الأخبار المتقدّمة برشوة الحكم.
وما كان من الثاني لا يحرم.
وقيل بحرمته للقاضي أيضا إن كان للباذل خصومة حاليّة أو مئاليّة ،
__________________
(١) أمالي الشيخ ١ : ٢٦٨ ، الوسائل ٢٧ : ٢٢٣ أبواب آداب القاضي ب ٨ ح ٦.
(٢) سنن البيهقي ٤ : ١٥٨.