في الأمر الإرشادي وغيره ، فادعاء ظهوره من سوق الآية ممنوع بل مقطوع بفساده ، إذ ليس في الآية إشعار بذلك ، بل قد عرفت دلالتها على خلافه ، وسوقها يقتضي أن المراد بيان الحكم الشرعي من حيث الحل والحرمة ، لوقوعها بعد آية التحريم (١) المشتملة على ذكر ما يحل من النساء وما يحرم ، وتعقيبها بقوله تعالى (٢) ( يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) الدال على أن المقصود بيان الحكم كما ذكرناه ، وأما عدم وجوب نكاح الحرة مع القدرة والأمة بدونها فلعدم ما يدل عليه ، فان المضمر غير معين ، ولو سلم فعدم الوجوب لوجود الصارف عنه ، لا لفهم الإرشاد من الآية كما ظن.
وما في الثاني من أن تسليم حجية المفهوم يقتضي أن الفائدة تخصيص الحكم ، ومخالفة المفهوم للمنطوق ، وإن احتمل غيره من الفوائد ، إذ لو كان الاحتمال قادحا لم يكن المفهوم حجة أصلا ، فإنه لا خلاف في كون التخصيص من جملة الفوائد ، ولا في تعيين إرادته مع انتفاء غيره صونا لكلام الحكم عن اللغو والعبث ، إنما الخلاف في أنه مع احتمال الفوائد الأخر يتعين الحمل على هذه الفائدة أو يبقى الكلام محتملا لها ولغيرها ، والقائلون باعتبار المفهوم يدعون الأول بناء على غلبة هذه الفائدة بالنظر الى غيرها ، وأن المظنون إلحاق المحتمل بالأعم الأغلب ، أو أنها هي المفهومة من اللفظ المتبادرة عند الإطلاق ، فلا يصرف الكلام عنها إلا بدليل ، وهذا معنى قولهم : « المفهوم حجة إذا لم يظهر للقيد فائدة » لا مجرد الاحتمال ، فإنه سهو بين ناشئ من قلة التأمل ، وحينئذ فإن أريد مجرد احتمال الحث والترغيب فهو مسلم ، ولا يقدح في حجية المفهوم ، وإن أريد ظهوره في ذلك فهو واضح المنع ، خصوصا مع ملاحظة قوله تعالى ( وَأَنْ تَصْبِرُوا ) الدال على الحث البليغ على ترك نكاح الأمة ، وكذا قوله تعالى ( ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ) المشعر بكون ذلك للضرورة ونحو ذلك مما هو ظاهر في إرادة الترك المنافي للترغيب.
وما في الثالث من أن موضوع الحكم على القول بالجواز مطلقا هو كل من
__________________
(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.
(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٦.