وما في السابع من أن ما ذكره لما يقتضيه نظم العبارة كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام ، ضرورة ظهور الآية في أن الصبر على ترك النكاح مع الشرطين خير من فعله ، على أن الصبر الذي قد صرح أهل اللغة به وشهد به العرف ـ وهو تحمل المشقة وحبس النفس عن الجزع ـ إنما يناسب ترك النكاح مع الشرطين ، لما فيه من المشقة الظاهرة ، بخلاف فاقد التوقان والقادر على نكاح الحرة ، فإنه لا مشقة عليه بترك نكاح الأمة لانتفاء الموجب له في الأول ، والاستغناء بنكاح الحرة في الثاني ، ودعوى ظهور كلمات الفقهاء في الوجوب مع خوف الضرر بالعزوبة أو الوقوع في المحرم فلا يكون الصبر معه خيرا يدفعها أن المسلم وجوبه مع خوف الضرر البدني ، ولم يعلم إرادته من الآية ، للمحكي عن أكثر المفسرين : منهم جار الله الزمخشري والعلامة الطبرسي أن المراد من خشية العنت خوف الإثم الذي تؤدي إليه الشهوة ، وحينئذ يكون حكم نكاح الأمة مع خوف الضرر البدني حكم المحرمات بالنسب وغيره ، فكما لا تحل تلك به فكذلك هذه ، وإلا لزم جواز نكاح المحرمات بأسرها مع الانحصار ، بل وجوبه بذلك ، وبطلانه ضروري ، على أنه لو صح لوجوب تخصيص مفهوم الآية بما عدا ذلك ، وليس في هذا ما يقتضي حمل قوله تعالى ( أَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ ) على أفضلية الصبر مع فقد الشرطين كما ذكره المعترض ، وهو ظاهر.
وأما وجوب النكاح مع خوف الوقوع في المحرم لغلبة الشهوة كما ذكره بعضهم فقد عرفت ما فيه في محله سابقا ، لأن ترك المحرم أمر مقدور لا يتوقف على التزويج ، ولذا لم يجز ارتكابه مع عدم التمكن من النكاح المحلل بالكلية وإن بلغ من الشهوة ما بلغ ، ولو لا أنه مقدور لما حرم ذلك ، والقول بوجوبه وإن فرض اقتداره على ترك المحرم بالتقوى وشدة الورع كما ترى ، ضرورة أن القول بوجوبه على تقديره ليس تعبدا محضا ، بل إنما هو لاستلزام ترك النكاح الوقوع في المحرم على ما مر سابقا ، وقد عرفت ما فيه ولو سلم فتخصيص ، هذه الصورة أعني نكاح الأمة من ذلك لدلالة الآية عليه لا ينافي طريقة التحقيق ، فان تخصيص العمومات غير