عزيز ، ويشهد له ظاهر كلام الفقهاء والمفسرين ، حيث اقتصروا في معنى الآية على ما هو الظاهر ، ولم يتعرض أحد منهم حتى القائل بجواز نكاح الأمة مطلقا لتأويل الآية وصرفها عن ظاهرها ، ولا بقيام الاحتمال فيها ، مع ما علم من طريقتهم في استنباط الأحكام من الآيات وذكر ما فيها من الوجوه والاحتمالات ، وهذا بمنزلة التصريح منهم بعدم وجوب النكاح في تلك الصورة ، وإلا فكان ينبغي لهم التعرض لتنزيل الآية على الوجوب حتى يوافق ما ذهبوا اليه ، والموجود في كلامهم خلافه.
هذا مع إمكان أن يقال : لو أريد من خشية العنت ما يعم خوف الضرر البدني فلا دلالة في الآية على جواز ترك النكاح معه ، لعدم تحقق معنى الصبر فيه حقيقة ، فإن الصبر تحمل المشقة والكلفة ، ولا مشقة في ترك النكاح مع خشية الضرر البدني ، وإنما الموجود معه خوف حصول المشقة دون المشقة نفسها ، بخلاف الترك مع خوف الوقوع في المحرم ، فإنه لا ينفك عن المشقة الحاصلة باعتبار المنازعة وقهر القوة الشهوية ، وعلى هذا فيكون الصبر على ترك النكاح مقصورا على خوف الإثم خاصة وإن كان خشية العنت أعم من ذلك ، وإطلاق الصبر على ترك النكاح مع خشية العنت نظرا إلى المشقة التي يؤول إليها الترك معها غالبا وإن كان ممكنا إلا أنه تكلف مستغنى عنه ، ولو سلم فالواجب تخصيص قوله تعالى ( وَأَنْ تَصْبِرُوا ) بما عدا خوف الضرر البدني ، لوجوب النكاح معه بمقتضى الحمل على العموم ، وهذا أولى من حمله على أفضلية الترك مع فقد الشرطين ، فإنه بعيد جدا بخلاف التخصيص ، كما أنه يجب حكم الفقهاء باستحباب النكاح لمن تاقت نفسه اليه بناء على عمومه بما عدا هذه الصورة ، لدلالة الآية على أن ترك النكاح فيها بالخصوص أفضل ، فإن الخاص مقدم على العام ، ولا بعد في ذلك إذا اقتضته الأدلة الشرعية ، إذ ربما كان مصلحة ترك نكاح الأمة أهم من مصلحة الفعل وإن تاقت النفس اليه ، فلا يكون الفعل حينئذ راجحا كما عن بعضهم التصريح به أو كالتصريح.
وما في الثامن من أن الخاص ولو كان مفهوما مقدم على العام وإن كان منطوقا