أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) بناء على ما عرفته سابقا من أن الأمر فيها للإباحة ، ومقتضى إباحة الأعداد المخصوصة تحريم ما زاد عليها ، إذ لو كان مباحا لما خص الجواز بها ، لمنافاته الامتنان وقصد التوسيع على العباد ، ولأن مفهوم إباحة الأربع حصر ما دون الأربع أو ما زاد عليها ، والأول باطل بتجويز الثلاث فيها صريحا ، فتعين الثاني.
بل يمكن أن يكون المراد منها إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى بالإنفاق من أموالهم التي في أيديكم التي جوز الله لوليهم الإنفاق منها بالمعروف فاقتصروا على نكاح ما طاب لكم ، وحل وساغ من العدد أعني مثنى وثلاث ورباع إلى أن قال : ( ذلِكَ أَدْنى أَلاّ تَعُولُوا ) فيستفاد منها حينئذ انحصار الحل في العدد المزبور ، ولذا
أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قيس بن الحرث عند نزول الآية وكان تحته ثمانية أن يطلق أربعا ويمسك أربعا قال : « فجعلت أقول للمرئة التي لم تلد : يا فلانة أدبري ، والتي قد ولدت : يا فلانة أقبلى » (١) فمن الغريب دعوى بعض الناس عدم دلالة الآية على تحريم ما زاد ، وإنما استفيد من دليل آخر.
ثم إن هذه الألفاظ ألفاظ معدولة عن أعداد مكررة هي ثنتين ثنتين ، وثلاث ثلاث ، وأربع أربع ، وهي غير منصرفة للعدل والصفة ، فإنها بينت صفات وإن كانت أصولها لم تبن لها ، وقيل عدم انصرافها لتكرير العدل عدلها عن صيغها وعدلها عن تكررها ، أى أن الأصل كان اثنين اثنين مثلا فغير اللفظ إلى مثنى ، وعدل بها عن التكرير ، فصار بها عدلان لفظي ومعنوي ، ونصبها على البدلية من المفعول ، أو على الحال من فاعل طاب ، ومعنى الحالية فيها مثلها في قولك : « جئت فارسا وراجلا وحافيا وناعلا » تريد أنك جئت في كل حال من هذه الأحوال لا أنك جئت في حال ثبوت جميعها ، وكذا الحال في الآية ، فان المراد جواز النكاح في كل حال من الأحوال الثلاثة دون مجموعها ، وإلا لزم نكاح التسع.
__________________
(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ١٨٣ مع اختلاف يسير ، وفيه أنه أسلم وعنده ثمان نسوة.