صار يصور بمعنى ( أملهن ) أي أوجد ميلاً بها ، وآنسها بک ، ويشهد به تعديته ب ( إلى ) فإنّ صار إذا تعدي ب ( إلى ) کان بمعنى الإمالة ، وعلى الثانية تکون بمعنى صار يصير ، بمعنى قطعهن ، ولکن المعنى الأول خلاف الظاهر من النص القرآني الشريف ، حيث أمره سبحانه وتعالى أن يجعل کل جزء منهن على جبل ، لا کل واحد منهن ، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى أن من مقتضى حال المجيب أن يکون جوابه مطابقاً لسؤال السائل ، والسائل سأل عن کيفية الإحياء بعدما رأى تلک الجيفة تمزقها سباع البر والبحر ، کما عليه بعض الروايات ، أو بيان ومعرفة مقام الخلة عند الحق تعالى کما مرّ علينا في رواية علي بن الجهم عن المأمون ، وکان من جملتها رؤية إحياء الموتى ، وهذه المطالب تتناسب مع المعنى الثاني ، والقراءة الثانية ، وإلاّ فلا مطابقة لذلک على القراءة الأولى. فتأمل !
ثم أنه لم يذهب إلى المعنى الأول إلاَّ بعض المفسرين ، کصاحب المنار حيث إنّه ذکر في تفسيره قائلاً : ( ... خذ أربعة من الطير فضمها إليک ، وآنسها بک ، حتى تستأنس وتصير بحيث دعوتک إذا دعوتها ، فإن الطيور من أشد الحيوانات استعداداً لذلک ، ثم اجعل کل واحد منها على جبل ، ثم ادعها ، فإنها تسرع إليک من غير أن يمنعها تفرق أمکنتها وبعدها ، کذلک أمر ربک إذا أراد إحياء الموتي ، يدعوهم لکلمة التکوين « کانوا أحياء » فيکونون أحياء ، کما کان شأنه في بدء الخلقة ، تلک إذ قال للسموات والأرض : ( ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) (١) ... والدليل على ذلک من الآية قوله تعالى : فصرهنّ ، فإن معناه ( أملهن ) أي أوجد ميلا بها ، وآنسها بک ، ويشهد به تعديته ب ( إلى ) ، فأن صار إذا تعدى ( إلى ) کان بمعنى الإمالة. (٢)
وکما ذکرنا سابقاً أن حمل الآية على هذا المعنى يخالف ظاهر النص الشريف
ــــــــــــــــ
١. فصلت ، ١١.
٢. محمد رشيد رضا ، تفسير المنار ، ج ٣ ، ص ٥٥ ـ ٥٨.