بالمعاد الجسماني ، وإلاّ فعند القول بالمعاد الروحاني ، تصبح المسألة سالبة بانتفاء الموضوع ، فلا فائدة بعد ، نعم يمکن أن تصبح موضوعية للبحث والنقاش ، بناء على قبوله المعاد الجسماني الثابت بواسطة الشرع ، کما هو مختاره في المسألة ، وسيأتي الکلام عنها مفصلاً فيما بعد. ولذا عبر عنه ملا صدرا بقوله : ( ما ذکره في استحالة التناسخ أيضا ليس ببرهان محقق فإنه قال : لو عادت النفس جسداً واستعد للقبول لفاضت إليه نفس من واهب الصور ؛ فإنّ المستعد يستحق بذاته قبول الصورة ، فيؤدي إلى أن يفيض إليه نفس ، ويتعلق به النفس المستنسخة ، فيجتمع نفسان لبدن واحد ، وهو محال ). (١)
وعليه فلا يمکننا أن نقبل کلام الغزالي في مسألة جواز التناسخ في عالم الآخرة ، الذي هو بمعنى تعلق النفس المفارقة للبدن الدنيوي الذي کان مطيتها في مرحلة التکامل التدريجي في عالم الدنيا ، على أساس الدليل الشرعي الذي قال فيه ؛ لأنه في الواقع لا دليل شرعي قطعي عندنا دال على إثبات المثلية بين البدنين الدنيوي والأخروي ، بل صريح القرآن الکريم کان نصاً في المعاد الجسماني العيني للبدن الأول ، کما هو نصف في الکثير من آيات الذکر الحکيم ، (٢) ولا دليل عقلي عنده في إثبات ذلک ، (٣) بل إن ما استند عليه ما هي إلا جملة احتمالات قائمة على أساس عدم الاستبعاد في مثل هذه المسألة ، وما هي إلا مجموعة ظنون لا غير ، وأن الظن لا يغني عن الحق شيئاً ، خصوصاً عند حضور الدليل اليقيني العقلي والشرعي على خلافها ، فلا تبقى لها معهما قيمة علمية يمکن أن يعتمد عليها في ذلک ، نعم لو لم يکن
ــــــــــــــــ
فيه : « ... مساقة المصادفة مخطوطاً صغيراً لابن سينا عنوانه رسالة اضحوية في المعاد ، فلما قرأته وجدته صريحا في إنکار البعث الجسماني ، ووجدته يشتمل على نفس الدليل الذي حکاه الغزالي في التهافت على لسان الفلاسفة ... ».
١. الاسفار ، ج ٩ ، ص ٢٠٩.
٢. راجع : يس ، ٦٥ ؛ القيامة ، ٤ ؛ يس ، ٥١ ؛ الإسراء ، ٥١ ؛ النساء ، ٥٦ ؛ فصلت ، ٢١ ؛ النور ، ٢٤ ؛ العاديات ، ٩ ؛ وغيرها.
٣. راجع : محمد الغزالي ، کتاب تهافت الفلاسفة ، ص ٢٤٣ ؛ وغيره من کتبه.