لا ينکر الالتذاذ والتألم الجسماني اعتماداً منه على الشرع المقدّس ؛ إذ لا طريق للعقل في بيانه ، فقد قال في توضيح هذه الحقيقة : ( وأمّا إذا انفصلنا عن البدن ، وکانت النفس منّا تنبهت في البدن لکمالها الذي هو معشوقها ولم تحصله ، وهي بالطبع نازعة إليه إذ عقلت أنه بالفعل ، أنه موجود ، إلا أن اشتغالها بالبدن کما قلنا قد أنساها ذاتها ومعشوقها ، کما ينسى المرض الحاجة إلى بدل ما يتحلل ، وکما ينسي المرض الاستلذاذ بالحلو واشتهاءه ، ويميل بالشهوة من المرض إلى المکروهات في الحقيقة عرض لها حينئذ من الألم لفقدانه کفاءة ما يعرض من اللذة التي أوجبنا وجودها ودللنا على عظم منزلتها ، ويکون ذلک هو الشقاوة والعقوبة التي لا يعدلهما تفريق النار الاتصال وتبديل الزمهرير للمزاج ، فيکون مثلنا حينئذ مثل الخدر الذي أومأنا إليه فيما سلف ، وأي الذي قد علمت فيه نار أو زمهرير ، فمنعت المادة الملابسة وجه الحس عن الشعور به ، فلم يلتذ ، ثم عرض أن زال العائق فتشعر بالبلاء العظيم.
وأما إذا کانت القوة العقلية بلغت من النفس حداً من الکمال يمکنها به إذا فارقت البدن تستکمل الاستکمال التام الذي لها أن تبلغه ، کان مثلها مثل الخدر الذي أذيق المطعم الألذ وعرض للحالة الأشهى وکان لا يشعر به ، فزال عنه الخدر وطالع اللذة العظيمة دفعة ؛ وتکون تلک اللذة لا من جنس اللذة الحسية والحيوانية بوجه ، بل لذة تشاکل الحالة الطبية التي هي للجواهر الحية المحضة ، وهي أجل من کل لذة واشرف ، فهذه السعادة ، وتلک هي الشقاوة ، وتلک الشقاوة ليست تکون لکل واحد من الناقصين ، بل الذين اکتسبوا للقوة التشوق إلى کمالها ، وذلک عندما يبرهن لهم أن من شأن النفس إدراک ماهية الکل ... ). (١)
ويتضح لنا من خلال هذا النص المتعلق ببيان طبيعة ونوع الالتذاذ والتألم
ــــــــــــــــ
١. الشيخ الرئيس ابن سينا ، الإلهيات من الشفاء ، ص ٤٦٦ ؛ تحقيق حسن حسن زاده آملي.