الکمال حينما تکون النفس ناقصة غير کاملة ، بمعنى أنها لم تصل مرتبة التجرد التام ، وعندئذ لا يقاس إدراکها في هذا الحال بالحال الذي تکون فيه بالغة کمالها الخاص بها ، ولذا قال : ( کيف يقاس هذا الإدراک بذلک الإدراک ؟ أو کيف تقاس هذه اللذة باللذة الحسية والبهيمية والغضبية ؟ ولکنّا في عالم بدننا وانغماسها في الرذائل لا نحس بتلک اللذة إذا حصل عندنا شيء من أسبابها کما أومأنا إليه في بعض ما قدمناه من الأصول ، ولذلک لا نطلبها ولا نحنّ إليها ، اللهم إلا أن نکون قد خلعنا ربقة الشهوة والغضب وأخواتهما عن أعناقنا وطالعنا شيئاً من تلک اللذة ، فربما تخيلنا منها خيالاً طفيفاً وخصوصاً عند انحلال المشکلات ، واستيضاح المطلوبات النفسية ، ونسبة التذاذنا هذا إلى ذلک ، ونسبة الالتذاذ الحسي ينشق روائح المذاقات اللذيذة إلى الالتذاذ بتطعمها ، بل بعداً من ذلک بعداً غير محدود ). (١)
ويجب أن يعلم أن هذه السعادة الحقيقية المطلقة لا تتم إلا بإصلاح الجزء العملي من النفس ، کما بين ذلک الشيخ بنفسه عندما قال : ( ... إن هذه السعادة الحقيقية لا تتم إلا بإصلاح الجزء العملي من النفس ، ولنقدم لذلک مقدمة وکأنا قد ذکرناها فيما سلف ، إن الخلق هو الملکة يصدر بها من النفس الفعال ما بسهولة من غير تقدم روية ، وقد أمر في کتب الأخلاق بأن يستعمل التوسط بين الخلقين ... الضدين ). (٢)
وبهذا القدر نکتفي من بحث المعاد الجسماني عند الشيخ الرئيس ابن سينا ، ونترک الباقي لمن يطلب تفصيلاً أکثر من ذلک بعدما وضحناه بالقدر المطلوب.
ــــــــــــــــ
١. المصدر السابق.
٢. المصدر السابق.