وهو بمعنى الأخذ الکامل والتام ، فلو کان شاملاً للأبدان لما قيده الحق تعالى بالنفوس حيث قال تعالى فيه : ( اللهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ). (١)
وکيفما کان فإن المعاد الجسماني الذي قال فيه الخواجة لم يکن دليل ثبوته ما ذکره الخواجة في بحثه عنه ، من کونه مقيداً بوجوب الاعتقاد بوجود أجزاء أصلية وأخرى فضلية في جسم الإنسان ، وأما ما ذکره بخصوص إثبات أصل المسألة فلا إشکال فيه ، وإنّما الإشکال بتفسير الکيفية التي يعاد بها الإنسان في اليوم الآخر.
خامساً : فيما يتعلق بنتائج البحث في الفصل الخامس الذي تعلق البحث فيه عن تبيين وجهة نظر الشيخ الرئيس ابن سينا ، فقد تبيّن لنا فيه أنّ الشيخ الرئيس في الوقت الذي يسلک في أبحاثه المسلک المشائي الذي يعتمد فيه على السير العقلي ، فإنّه في بحث هذه المسألة قد استعان بالمسلک النقلي في إثباتها ووجوب الاعتقاد بها عند عجز الدليل العقلي عن إثبات ذلک ، وقد تحمل من الموافق والمخالف له في سلوکه هذا التهم والازدراء ، فالمخالف قال إنّما أخذ بالنقل خوفاً من وصمة التکفير ، ولم يکن ذلک مبنياً على أساس الإيمان والاعتقاد الجازم بالمسألة ، وإن کان منشأه التعبد بالشرع المقدّس ، وإنّما کان ذلک فراراً وخوفاً من علماء الشريعة ، بينما تحمل الازدراء من الموافق لمسلکه العقلي ، من أنّه لا ينبغي لصاحب المبنى والمسلک أن يخالف ما تبناه من أصول ومبادئ في البحث ، فالتعبد من قبل الشيخ بهذه المسألة يراه نقصاً فضيعاً في الشيخ ، ولکنا ومن خلال جملة قرائن قد ذکرنا بعضها في البحث هناک ، لا نرى ما يراه الطرفان المذکوران ، بل نرى في ذلک ما يراه البعض ، من أنّه في الواقع يکشف عن مدى تواضع الشيخ الرئيس لقبول الحق ، وأنّ هذا الموقف يعد موقفاً لرجل شجاع قد استطاع أن يصرع نفسه الکبيرة وعقله الجبّار الذي أثبت بواسطته المعاد الروحاني دون الجسماني ، ولکن لا نوافقه الرأي في ما ذهب إليه من عدم تجرد القوة الخيالية والوهمية ، التي على أساسها اضطرب
ــــــــــــــــ
١. الزمر ، ٤٢.