وأما الخواجة نصير الدين الطوسي فقد ذهب في تعريفه للمعاد بأنه : إعادة للأجزاء الأصلية ، أو هي مع النفس المجردة ، (١) بينما يرى الغزالي أنّ المعاد يکون للنفس المجردة مع أي بدن کان ، من مادته الأولى أو من مادة أخرى ، مادام الشرع أجاز ذلک ، (٢) فلا تناسخ في البين هذا بحسب تعبيره وقد بيّنا الکلام عنه مفصلاً في محله ، أي عند البحث في التناسخ وأقسامه وأدلة بطلانه ، فراجع ، بينما عرفه صدرالمتألهين بالشکل الذي يتناسب مع ما توصل إليه من نظر في مسألة المعاد الجسماني ، (٣) وسيأتي الکلام عنه مفصلاً في الفصل السادس ، فارتقب.
ثانياً : فمن خلال ما تقدم من أبحاث في مسألة المعاد عبر التاريخ البشري ، والذي تم التحدث فيه عن تصورات الأقوام والديانات القديمة التي سبقت المجتمع والدين الإسلامي ، فقد توصلنا فيه إلى أن جميع الأقوام والمجتمعات القديمة ، کالمجتمع البدائي الصحراوي والمجتمع المصري والمجتمع الهندي ، کانت جميعها تؤمن بوجود معاد جسماني يحصل بعد الموت مع اختلاف في تصوير کيفية ذلک ، فقد صورهُ بعضهم بتصويرات تتفق مع القول بالتناسخ الملکي الباطل ، وبعض يراه جسمانياً في عالم آخر ، وقد بيّنا في الأبحاث السابقة أن هذا الاختلاف قد يکون سببه نتيجة الخلط الحاصل بين ما وصل إليهم من خبر السماء عن المعاد وکيفيته مع أوهام وخرافات بشرية ، ولکن النتيجة التي انتهت إليها هذه الأقوام تکشف عن وجود أثر السماء فيها ، وأما بالنسبة إلى نظر الديانات القديمة التي تحدثنا عنها في هذه المسألة ، فإنها هي الأخرى قد ذهب أغلبها إلى القول بجسمانية المعاد ، عدا فرقة صغيرة من اليهود کانت لا تؤمن بالمعاد الأخروى ، بل کانت تراه معاداً اجتماعياً دنيوياً خاصاً بقوم اليهود الذين ذلوا وشردوا في البلدان ، وهي فرقة
ــــــــــــــــ
١. العلامة الحلي ، کشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ، قسم الإلهيات ، تحقيق الشيخ جعفر السبحاني ، ص ٢٥٩.
٢. محمد الغزالي ، تهافت الفلاسفة ، ص ٢٤٣.
٣. صدرالدين الشيرازي ، مفاتيح الغيب ، المفتاح ١٢ ، المشهد ٧ ، ص ٢٩٨.