إن المعدة في تکذيبهم الرسل وإنکارهم للمعاد ، کما يشير إليه قول إبراهيم ٧ : ( إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ المُبِينُ ) ، (١) فقوله ( أَوَلَمْ يَرَوْا ) الضمير فيه للمکذبين من جميع الأمم من سابق ولاحق ، والمراد بالرؤية النظر العلمي دون الرؤية البصرية إلى أن قال : وفيه رفع الاستبعاد ؛ لأنه إنشاء وإذا کانت القدرة المطلقة تتعلق بالإيجاد فهي تتعلق بالإنشاء بعد الإنشاء وهي نقل للخلق من دار إلى دار ، وإنزل السائرين إليه في دار القرار. (٢)
وقد ذکر الفخر الرازي في تفسير الآية الأولى قائلاً : ( اعلم أنه تعالى لما وصف جدالهم في آيات الله بغير سلطان ولا حجة ، ذکر مثالاً ، فقال ٧ : ( لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ) ، والقادر على الأکبر قادر على الأصغر لا محالَ ). (٣)
ويمکننا أن نقول : إنّ کل ذلک لأجل إبعاد ذلک الاستغراب والاستبعاد الحاصل في نفوس هؤلاء الجاحدين للحق تعالى ولنبوة محمد ، والمنکرين لخبر المعاد ودليله ، فاستدل لهم بعموم قدرته سبحانه وتعالى التي خلق بها السموات والأرض بما فيها من عجائب وغرائب الخلقة والموجودات ، على خلق الإنسان وإعادته بعد موته ، خصوصاً وأنّه تعالى جعل خلقهما أعظم من خلق الإنسان ، فالقادر على خلق العظيم أقدر على خلق وإعادة ما هو أدون منه عظمة. ولکن الکافرين کما وصفهم الحق تعالى بقوله : ( فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُورًا ). (٤) ومن يريد التفصيل في ذلک ، فليراجع المصادر الوارد ذکر بعضها في حاشية هذه الصفحة (٢١٧). (٥)
المجموعة الثالثة : الآيات الدالة على إحياء الأرض بعد موتها :
قال تعالى : ( وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ
ــــــــــــــــ
١. العنکبوت ، ١٧ ، ١٨.
٢. الميزان في تفسير القرآن ، ج ١٦ ، ص ١١٦.
٣. فخرالدين الرازي ، التفسير الکبير ، ج ٢٧ ، ص ٧٩.
٤. الإسراء ، ٩٩.
٥. راجع : الطبرسي ، تفسير مجمع البيان ، ج ٨ ص ٥٩٢ ؛ تفسير القرطبي ، ج ٨ ص ٥٧٦٩ ؛ تفسير روح البيان ، ج ٨ ، ص ١٩٩.