كاستحقاق الأجير للُاجرة على المستأجر بحيث لو لم يقم المولى باعطاء الثواب له لكان ذلك ظلماً منه فهو مقطوع البطلان ، بداهة أنّ إطاعة العبد لأوامر مولاه ونواهيه جرى منه على وفق وظيفته ورسم عبوديته ورقّيته ولازمة بحكم العقل المستقل ، ولا صلة لذلك بباب الاجارة أبداً ، كيف فانّ مصالح أفعاله ومفاسدها تعودان إليه لا إلى المولى. ومن ذلك يظهر حال التوبة ، فانّ ما ورد من أنّ التائب عن ذنبه كمن لا ذنب له (١) ليس معنى هذا أنّ التائب يستحقّ الغفران على المولى كاستحقاق الأجير للُاجرة باتيان العمل المستأجر عليه ، لوضوح أنّ التوبة مقتضى وظيفة العبودية ، ومن هنا يستقلّ العقل بها ، حيث إنّ حقيقتها رجوع العبد إلى الله تعالى وخروجه عن التمرد والعصيان ودخوله في الاطاعة والاحسان.
وإن أرادوا بذلك أنّ العبد بقيامه بامتثال أوامر المولى ونواهيه يصير أهلاً لذلك ، فلو تفضّل المولى باعطاء الثواب له كان في محلّه ومورده فهو متين جداً ولا مناص عنه ، والظاهر بل المقطوع به أنّهم أرادوا بالاستحقاق هذا المعنى. وعلى هذا الضوء فقد أصبح النزاع المزبور لفظياً كما لا يخفى.
وأمّا المورد الثاني : وهو ترتب الثواب على الواجب الغيري ، فلا ريب في عدم استحقاقه الثواب على امتثاله بمعناه الأوّل ، وإن قلنا به فرضاً في الواجب النفسي ، وهذا واضح. وأمّا الاستحقاق بمعناه الثاني فالظاهر أنّه لا شبهة فيه إذا أتى به بقصد الامتثال والتوصل ، والسبب في ذلك هو أنّ الملاك فيه كون العبد بصدد الاطاعة والانقياد والعمل بوظيفة العبودية والرقّية ليصبح أهلاً لذلك ، ومن المعلوم أنّه باتيانه المقدمة بداعي التوصل والامتثال قد أصبح أهلاً
__________________
(١) الكافي ٢ : ٤٣٥ / ١٠ ( مع اختلاف يسير ).