وهذا هو المقصود من الروايات الناهية عن ترك الصلاة. وليس المراد من النهي فيها النهي الحقيقي الناشئ من مفسدة إلزامية في متعلقه ، ولذلك لم يتوهم أحد حرمة ترك الصلاة وأنّ تاركها يستحق عقابين ، عقاباً لتركه الواجب ، وعقاباً لارتكابه الحرام.
وهذا التعبير ـ أعني به التعبير عن طلب شيء بالنهي عن تركه ـ أمر متعارف في الروايات في باب الواجبات والمستحبات وفي كلمات الفقهاء ( رضوان الله عليهم ) فترى أنّهم يعبّرون عن الاحتياط الواجب بقولهم : لا يترك الاحتياط. وعليه فمعنى أنّ الأمر بالشيء عين النهي عن ضدّه ، هو أنّهما متحدان في جهة الدلالة والحكاية عن المعنى ، في مقابل ما إذا كانا متغايرين في تلك الجهة.
وعلى ضوء ذلك صحّ أن يقال : إنّ الأمر بالشيء عين النهي عن ضدّه العام بحسب المعنى والدلالة عليه. فان اريد من العينية العينية بهذا المعنى ، فهي صحيحة ولا بأس بها ، ولكنّ الظاهر أنّ العينية بذلك المعنى ليست مراداً للقائل بها كما لا يخفى.
وإن اريد بها العينية في مقام الثبوت والواقع ـ أعني بها كون الأمر بشيء عين النهي عن تركه في ذلك المقام وبالعكس ـ فيرد عليه أنّه إن اريد من النهي عن الترك ، طلب تركه المنطبق على الفعل ، إذ قد يراد من النهي عن الشيء طلب تركه كما هو الحال في تروك الاحرام والصوم ، حيث يراد من النهي عن الأكل والشرب ومجامعة النساء والارتماس في الماء ولمس المرأة ولبس المخيط للرجال والتكحل والنظر إلى المرآة والمجادلة ، وغيرها ممّا يعتبر عدمه في صحة الاحرام ، طلب ترك هذه الامور ، فانّ هذا النهي لم ينشأ عن مبغوضية تلك الامور وقيام مفسدة إلزامية بها ، بل نشأ عن محبوبية تركها وقيام مصلحة إلزامية به ، وعليه لم يكن مثل هذا النهي نهياً حقيقياً ناشئاً عن مفسدة ملزمة