يستدعي اعتبار الواجب النفسي قيداً للواجب الغيري أصلاً ، والسبب في ذلك : هو أنّ الغرض من التقييد بالايصال إنّما هو الاشارة إلى أنّ الواجب إنّما هو حصة خاصة من المقدمة ، وهي الحصة الواقعة في سلسلة العلة التامة لوجود الواجب النفسي ، دون مطلق المقدمة. وبكلمة اخرى : أنّ المقدمات الواقعة في الخارج على نحوين : أحدهما : ما كان وجوده في الخارج ملازماً لوجود الواجب فيه ، وهو ما يقع في سلسلة علة وجوده. وثانيهما : ما كان وجوده مفارقاً لوجوده فيه ـ وهو ما لا يقع في سلسلتها ـ فالقائل بوجوب المقدمة الموصلة إنّما يدعي وجوب خصوص القسم الأوّل منهما دون القسم الثاني ، وعليه فلا يلزم من الالتزام بهذا القول كون الواجب النفسي قيداً للواجب الغيري ، فإذن لا موضوع لاشكال الدور أو التسلسل أصلاً ، هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى : أنّ قضية الارتكاز والوجدان تقتضي وجوب خصوص هذا القسم الملازم لوجود الواجب في الخارج ، بداهة أنّ من اشتاق إلى شراء اللحم مثلاً فلا محالة يحصل له الشوق إلى صرف مال واقع في سلسلة مبادئ وجوده لا مطلقاً ، ولذا لو فرض أنّ عبده صرف المال في جهة اخرى لا في طريق امتثال أمره بشراء اللحم لم يعدّ ممتثلاً للأمر الغيري ، بل يعاقبه على صرف المال في تلك الجهة ، إلاّ إذا كان معتقداً بأنّ صرفه في هذا الطريق يؤدي إلى امتثال الواجب في الخارج ولكنّه في الواقع غير مؤدٍ إليه. فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين : هي أنّه على القول بوجوب المقدمة لا مناص من الالتزام بهذا القول.
الثانية : ما عن المحقق صاحب الكفاية (١) وشيخنا الاستاذ (٢) (قدسسرهما )
__________________
(١) كفاية الاصول : ١١٦.
(٢) أجود التقريرات ١ : ٣٤٥.