هو أنّ القضايا الحقيقية بأجمعها ترجع في الحقيقة إلى قضايا شرطية مقدّمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت المحمول له ، ومن الطبيعي أنّه لا يمكن وجود التالي قبل وجود المقدّم.
ينبغي أن يقال في المقام : هو جواز الشرط المتأخر ، ويقع الكلام فيه في مقامين : الأوّل : في مقام الثبوت. والثاني : في مقام الاثبات.
أمّا المقام الأوّل : فقد ذكرنا غير مرّة أنّ الأحكام الشرعية بشتى أنواعها امور اعتبارية ، فلا واقع موضوعي لها ما عدا اعتبار من بيده الاعتبار ، ولا صلة لها بالموجودات المتأصلة الخارجية أبداً. وبكلمة اخرى : أنّ الموجودات التكوينية المتأصلة خاضعة لعللها الطبيعية فلا يتعلق بها جعل شرعي أصلاً.
وأمّا الموجودات الاعتبارية التي منها الأحكام الشرعية فهي خاضعة لاعتبار المعتبر ، وأمرها بيده وضعاً ورفعاً ، ولا تخضع لشيء من الموجودات التكوينية وإلاّ لكانت تكوينية.
وعلى ضوء هذا البيان قد اتضح أنّ موضوعات الأحكام الشرعية وإن كانت من الامور التكوينية ، إلاّ أنّه لا تأثير لها فيها أبداً ، لا تأثير العلة في المعلول ، ولا الشرط في المشروط ، ولا السبب في المسبب وإن اطلق عليها الشرط مرّة ، والسبب مرّة اخرى ، إلاّ أنّ ذلك مجرد اصطلاح من الأصحاب على تسمية الموضوعات في الأحكام التكليفية بالشروط ، وفي الأحكام الوضعية بالأسباب ، مع عدم واقع موضوعي لها ، فيقولون إنّ البلوغ شرط لوجوب الصلاة مثلاً ، والاستطاعة شرط لوجوب الحج ، وبلوغ النصاب شرط لوجوب الزكاة وهكذا ، والبيع سبب للملكية ، والموت سبب لانتقال المال إلى الوارث ، وملاقاة النجس مع الرطوبة المسرية سبب لنجاسة الملاقي وهكذا ، وقد قلنا في موطنه إنّه لم يظهر لنا وجه للتفرقة بين تسمية الاولى بالشروط والثانية