بالأسباب أصلاً ، بداهة أنّ كلتيهما موضوع للحكم فلا فرق بين الاستطاعة والبيع من هذه الناحية ، فكما أنّ الشارع جعل وجوب الحج معلّقاً على فرض وجود الاستطاعة في الخارج ، فكذلك جعل الملكية معلقة على فرض وجود البيع فيه ، هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى : أنّ فعلية الأحكام وإن كانت دائرة مدار فعلية موضوعاتها بتمام قيودها وشرائطها في الخارج ، إلاّ أنّ لازم ذلك ليس تقارنهما زماناً ، والسبب فيه هو أنّ ذلك تابع لكيفية جعلها واعتبارها ، فكما يمكن للشارع جعل حكم على موضوع مقيد بقيد فرض وجوده مقارناً لفعلية الحكم ، يمكن له جعل حكم على موضوع مقيد بقيد فرض وجوده متقدماً على فعلية الحكم مرّة ومتأخراً عنها مرّة اخرى ، فإن كل ذلك بمكان من الوضوح بعد ما عرفت من أنّه لا واقع للحكم الشرعي ما عدا اعتبار من بيده الاعتبار ، فإذا كان أمره بيده وضعاً ورفعاً سعة وضيقاً ، كان له جعله بأيّ شكل ونحو أراد وشاء ، فلو كان جعله على الشكل الثالث فبطبيعة الحال تتقدم فعلية الحكم على فعلية موضوعه ، كما أنّه لو كان على الشكل الثاني تتأخر فعليته عن فعليته وإلاّ لزم الخلف.
والسر فيه : أنّ المجعول في القضايا الحقيقية حصة خاصة من الحكم وهي الحصة المقيدة بقيد فرض وجوده في الخارج لا مطلقاً ، ومن الطبيعي أنّ هذا القيد يختلف ، فمرّة يكون قيداً لها بوجوده المتأخر ، مثل أن يأمر المولى باكرام زيد مثلاً فعلاً بشرط مجيء عمرو غداً ، فانّ المجعول فيه هو حصة خاصة من الوجوب وهو الحصة المقيدة بمجيء عمرو غداً ، فإذا تحقق القيد في ظرفه كشف عن ثبوتها في موطنها وإلاّ كشف عن عدم ثبوتها فيه. ومرّة اخرى بوجوده المتقدم كما لو أمر باكرام زيد غداً بشرط مجيء عمرو هذا اليوم. ومرّة ثالثة بوجوده المقارن ، وذلك كقوله تعالى ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ