الثاني : أنّه لا فرق في حكم العقل باستحقاق العقاب بين مخالفة التكليف الالزامي الفعلي وبين تفويت حقيقة التكليف وروحه ، وهو الملاك التام الملزم الذي يدعو المولى إلى اعتبار الايجاب تارة ، وإلى جعل التحريم تارة اخرى ، فإذا أحرز العبد ذلك الملاك في فعل وإن علم بعدم التكليف به استحقّ العقاب على تفويته ، من دون فرق في ذلك بين أن يكون المانع من التكليف قصوراً في ناحية المولى نفسه ، كما إذا كان غافلاً أو نائماً واتّفق في هذا الحال غرق ولده أو حرقه وكان عبده متمكناً من إنقاذه ، فعندئذ لو خالف ولم ينقذه فلا شبهة في استحقاقه العقاب ، أو قصوراً في ناحية العبد ، كما إذا علم بأنّ الملاك تام في ظرفه وأ نّه لو لم يحفظ قدرته عليه لم يكن قابلاً لتوجيه التكليف إليه ، فعندئذ لو خالف وعجز في ظرف التكليف عن امتثاله ، فعجزه هذا وإن كان مانعاً عن توجه التكليف إليه ، لعدم القدرة ، إلاّ أنّه يستحقّ العقاب على تفويت الغرض الملزم فيه حيث كان قادراً على حفظ قدرته واستيفائه. فالنتيجة : أنّه لا فرق عند العقل في الحكم باستحقاق العقاب بين مخالفة التكليف الفعلي وبين تفويت الغرض الملزم فيما لا يمكن جعل التكليف على طبقه.
وبعد ذلك نقول : الكلام هنا يقع في مقامين : الأوّل : في غير التعلم من المقدمات. الثاني : في التعلم.
أمّا المقام الأوّل : فالكلام فيه تارة يقع في مقام الثبوت ، واخرى في مقام الاثبات. أمّا الكلام في مقام الثبوت فيتصور على وجوه :
الأوّل : أن يكون ملاك الواجب تاماً والقدرة المأخوذة فيه من قبل مقدماته هي القدرة العقلية وغير دخيلة في ملاكه ، وذلك كحفظ بيضة الاسلام أو حفظ النفس المحترمة أو ما شاكل ذلك ، إذا افترضنا أنّ المكلف علم بأ نّه لو تحفظ